سن الأربعين

 


سن الأربعين

بقلم: د. زياد موسى عبد المعطي

لماذا خص الله سبحانه وتعالى سن الأربعين بالذكر في القرآن الكريم؟ بماذا خص الله سبحانه وتعالى هذا السن في عمر الإنسان؟ هذه محاولة للتفكر والتدبر في هذا الشأن.

       يقول الله سبحانه وتعالى "وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ" (الأحقاف 15-16).

-       يقول الله سبحانه وتعالى "إذا بلغ أشده"، أي بلغ قمة النضج، وهذا هو السن الذي نزل فيه جبريل الوحي الأمين على محمد خاتم الأنبياء والمرسلين.

-       بلغ أشده أي بلغ قمة النضج وبعدها يبدأ الانهيار والنزول في وظائف الجسم المختلفة، الوصول إلى قمة الجبل يعقبه مرحلة الهبوط من القمة للعودة إلى مستوى الأرض، والوصول لقمة المنحنى يعقبه النزول في المنحنى.

-       في الآية 15 من سورة الأحقاف نجد أن الله سبحانه وتعالى قد ذكر سن الأربعين بعد أن وصى الله سبحانه وتعالى بوالديه، وهو سن يكون فيه للإنسان ذرية من الأبناء، ويشعر بمدى تعب الوالدين ومجهودهم في تربية الأبناء ومدى حبهم لأبنائهم، ومن هداه الله يدعو الله عز وجل أن يوفقه في شكر نعمه التي أنعم بها الله عليه وعلى والديه وأن يعمل صالحاً يرضي الله عز وجل في ويصلح له في ذريته؛ أي سن الأربعين سن وسط العمر في الغالب يكون للإنسان والدين أو أحدهما وكذلك في الغالب له ذرية، يعرف الإنسان قيمة تعب الوالدين وحبهم لذريتهم، ويعرف كذلك أنهم لذريتهم الصلاح.

-       إذا كانت الذاكرة تضعف والقوة البدنية تقل، فالخبرات تزداد والحكمة تزداد، ويستطيع من تخطى هذا السن أن يعطي من خبراته وحكمته للأبناء ومن يتولى مسؤوليتهم في العمل، وكذلك يفيد المجتمع الموجود فيه.

-       الله خلق الإنسان في البداية في مرحلة ضعف، خلق الإنسان جنين في بطن الأم، ثم طفل رضيع، ينمو الإنسان حتى يصل لمرحلة الشباب والقوة وهي مرحلة قوة تستمر حتى الأربعين، وبعد الأربعين تبدأ مرحلة ضعف أخرى تزداد فيها تدهور الصحة، يقول الله سبحانه وتعالى: "اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً ۚ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۖ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِير"ُ (الروم: 54). ومن يعمر في الأرض  تقل قدرته البدنية بشكل ملحوظ، حيث يقول الله سبحانه وتعالى "وَمَن نُّعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ ۖ أَفَلَا يَعْقِلُونَ" (يس: 68)، وأيضًا مع التقدم في العمر تقل القدرة العقلية وتقل القدرة على الحفظ والتعلم، بل من تطول به العمر قد ينسى ما تعلمه، وهناك من يصاب بمرض الزهايمر، وفي ذلك يقول الله سبحانه وتعالى "وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لاَ يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ" (النحل:70).

-       من بلغ الأربعين عليه الاستعداد للرحيل، وعليه التزود للآخرة بالأعمال الصالحة. وفي ذلك أنشد الإمام الشافعي رحمه الله أبيات درر من الشعر حيث قال:

تزوّد للذي لا بد منهُ                                                               فإن الموت ميقاتُ العبادِ

وتب مما جنيت وأنت حيٌّ                                                          وكن متنبهاً قبل الرَّمادِ

ستندم إن رحلت بغير زادٍ                                                         وتشقي إذ يناديك المنادِ

أترضي أن تكون رفيق قومٍ                                                         لهم زادٌ وأنت بغيرِ زادِ

ندعو الله أن يوفقنا للعمل الصالح، وأن يكون لنا زاد من ليوم الميعاد، وأن يجمعنا وأهلنا في الفردوس الأعلى

3 تعليقات

  1. جزاكم الله خيرا واثابكم علي حسن صنيعكم

    ردحذف
  2. جزاكم الله خيرا واثابكم علي حسن صنيعكم

    ردحذف
  3. الله نسأله ألا يردنا لأرذل العُمُر
    تَذكِرًة طيبة
    جزيتم خيرًا

    ردحذف
أحدث أقدم