بقلم: د. زياد موسى عبد المعطي
صلاح الآباء (الآباء والأمهات) ينفع الأبناء في الدنيا والآخرة، وهذه
المقالة محاولة لتوضيح هذا المعنى من القرآن والسنة ومن التاريخ.
من يخاف على ذريته من بعده عليه بتقوى الله، وأن يقول الحق، وأن يكون نصيرًا للحق، حيث يقول الله سبحانه وتعالى "وَلْيَخْشَ
الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ
فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا" (النساء: 9)
الله أرحم الراحمين، يرزق عباده الصالحين بذرية من الصالحين الطائعين، الواصلين
للرحم، البارين بالوالدين،
نجد ذلك في شرح الخضر لنبي الله موسى عليه السلام لما فعله ولم يفهمه موسى عليه؛
حيث يقول الله في سورة الكهف على لسان الخضر "وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ
أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا.
فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ
رُحْمًا" (الكهف: 80 – 81).
صلاح الآباء ينفع الأبناء بعد موتهم ويبارك الله في الذرية جزاء لصلاح
الآباء؛ حيث حفظ الله الكنز
للغلامين بفضل صلاح أبيهما؛ حيث يقول الله على لسان الخضر "وَأَمَّا
الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ
كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَا
أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ ۚ وَمَا
فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ۚ ذَٰلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا "
(الكهف: 82).
الله سبحانه وتعالى يتولى الصالحين ويحفظهم ويحفظ ذريتهم
من الشرور؛ حيث يقول الله
سبحانه وتعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول " إِنَّ
وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ ۖ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ"
(الأعراف: 196).
ورُوي أن الصحابي عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -
عندما كان يصلي من الليل، وينظر لابنه الصغير وهو نائم، ويقول من أجلك يا بني؛ ويتلو وهو يبكي قول
الله سبحانه وتعالى على لسان الخضر "وَكَانَ
أَبُوهُمَا صَالِحًا ………"
(الكهف: 82).
وكذلك من العلماء الصالحين التابعين نجد " سعيد بن المُسَيب" الذي فكر وتدبر في هذا المعنى، وقال "إني لأصلي فأذكر ولدي فأزيد في صلاتي…"
أي أنه يريد أن درجة الصالحين فيحفظ الله أبنائه في حياته ومن بعد وفاته.
ابنة بائعة اللبن
التي رفضت أن تغش اللبن بخلطه بالماء، وتوسم عمر بن الخطاب فيها الخير،
واختارها زوجة لابنه عاصم، فكانت جدة لعمر ابن عبد العزيز الذي كان مثال للعدل والصلاح
والورع؛ نجد في سيرة "عمر بن العزيز" أن صلاح الأبناء يكون امتداد لصلاح
الآباء والأجداد، فـ" عمر بن العزيز" صلاحه امتداد لصلاح جدته "أم
أمه" بنت بائعة اللبن، وجده لأمه "عمر بن الخطاب".
ومما يروى عن الخليفة العباسي "المنصور" أنه عندما بويع بالخلافة دخل رجل إلى مجلس
المنصور، فقال له المنصور: عظني.
فقال: أأعظك بما رأيت أم بما سمعت؟
فقال المنصور: بل بما رأيت
فقال الرجل: يا أمير المؤمنين إن عمر بن عبد العزيز أنجب أحد عشر ولداً، وترك ثمانية عشر ديناراً، كُفن
بخمسة دنانير، واشتٌري له قبر بأربعة دنانير، ووزع الباقي على أبنائه، وهشام بن
عبد الملك أنجب أحد عشر ولداً، وكان نصيب كل ولد ن التركة ألف ألف دينار (أي مليون
دينار)، واللهِ يا أمير المؤمنين …. لقد رأيت في يوم واحد أحد أبناء عمر بن العزيز
يتصدق بمائة فرس للجهاد في سبيل الله، وأحد أبناء هشام بن عبد الملك يتسول في
الأسواق. وقد سأل الناس عمر بن العزيز وهو على فراش الموت: ماذا تركت لأبنائك يا
عمر؟ قال: تركت لهم تقوى الله. فإن كانوا صالحين فالله يتولى الصالحين، وإن كانوا
غير ذلك فلن أترك لهم ما يعينهم على معصية الله تعالى.
وما تم ذكره في السطور السابقة عن عمر بن عبد
العزيز ليس دعوة لعدم ادخار أموال للأبناء وترك الأبناء فقراء، فمما
سبق ذكره في سورة الكهف أن أحد الصالحين ترك كنز لأبنائه تحت الجدار، وفي الحديث
الشريف يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّكَ أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ
أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ" مُتَّفَقٌ
عَلَيْهِ. احرص على كسب المال من الحلال وابتعد عن الحرام، بارك الله لزوجة قالت
لزوجها: " اتق الله فينا ولا تطعمنا إلا من حلال، وإياك أن تدخل علينا الحرام،
فإننا نصبر على نار الجوع، ولا نصبر على نار جهنم".
وخير ما يتركه الإنسان لأبنائه السيرة العطرة
والذكر الحسن، فيكرم الناس
الأبناء حباً في آباءهم، ففي الحديث الشريف أن " قِيلَ
لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يَعْمَلُ
العَمَلَ مِنَ الخَيْرِ، وَيَحْمَدُهُ النَّاسُ عليه؟ قالَ: تِلكَ عَاجِلُ بُشْرَى
المُؤْمِنِ. وفي روايةٍ: وَيُحِبُّهُ النَّاسُ عليه" (صحيح – مسلم وابن حبان).
صلاح الآباء ينفع الأبناء؛ حيث يحاول الأبناء والبنات
تقليد ما يرونه ويسمعونه من الآباء والأمهات، وفي هذا المعنى هناك أبياتاً من الشعر هي درر من
الجواهر النفيسة ألهم الله شاعراً بها فأنشد يقول:
مشى الطاووس يوما باختيال
فقلد شكل مشيته بنوه
فقال علام تختالون؟ قالوا
بدأت به ونحن مقلدوه
فخالف سيرك المعوج واعدل فإنا
إن عدلت معدلوه
أما تدري أبانا كل فرع يجاري
بالخطى من أدبوه
وينشأ ناشئ الفتيان منا على
ما كان عوده أبوه
الله سبحانه وتعالى يقر أعين الصالحين من عباده يوم القيامة بأن يجمع معهم
ذريتهم في الجنة ويرفعهم معهم في أعلى الجنان حتى وإن كانوا أقل منهم في الدرجات في الجنة وذلك
نجده في قول الله سبحانه وتعالى "وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ
ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم
مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ ۚ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ" (الطور:
21)
ندعو الله أن نكون ذرية صالحة لآباءنا، ويجعلنا
أبناءنا ذرية صالحة، ويجمعنا وآباءنا وأبنائنا في الفردوس الأعلى؛ أعلى الجنان تحت
عرش الرحمن.