سيحاسبنا الله
د. زياد موسى عبد المعطي
كل ما نعمله سوف
يسألنا الله عنه، ويحاسبنا الله عنه، وكل الأعمال مدونة في كتاب سوف يلقاه الفائز
يوم القيامة بيمينه، وغير ذلك بشماله أو من وراء ظهره، فعلينا أن نحاسب أنفسنا في
الدنيا ليكون حسابنا يسيراً في الآخرة ونكون من الفائزين، وعلى من أسرف على نفسه
أن يتوب، فالله سبحانه وتعالى يقبل التوبة، وهناك من يدخلون الجنة بغير حساب.
سوف يحاسب الله كل
مسؤول عن ما يملك عليه سلطة،
سوف يحاسب الله كل حاكم من الحكام عن رعيته، وسوف يحاسب كل صاحب عمل، أو مدير
مسؤول في مؤسسة عمن يعمل معه، وسوف يحاسب الله الزوج والزوجة عن رعاية الأسرة،
وسوف يحاسب الخادم عن مال سيده، والموظف عن وظيفته، فكلنا سوف يحاسبنا الله، حيث
أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"
كُلُّكُم راعٍ، وكُلُّكُم مَسْؤُولٌ عَن رَعِيَّتِه،
الإِمامُ راعٍ ومَسؤُولٌ عنْ رعِيَّتِه،
والرَّجُلُ راعٍ في أهلِه وهو مَسْؤُولٌ عن رعيَّتِهِ،
والمرْأةُ راعِيةٌ في بيتِ زوجِها ومَسْؤُولةٌ عن رعِيَّتِها،
والخادِمُ راعٍ في مالِ سيِّدِه ومَسْؤُولٌ عن رعيَّتِه قال:
وَحَسِبْتُ أنْ قدْ قال: والرَّجُلُ راعٍ في مالِ أبِيهِ
ومَسْؤُولٌ عن رعيَّتِه، وكُلُّكُم
راعٍ ومَسْؤُولٌ عن رَعِيَّتِه" (صحيح البخاري).
وسوف يحاسبنا الله
عن الله عن أعمارنا فيما أنجزنا فيها من أعمال، وعن العلم الذي تعلمناه ماذا فعلنا
به، وعن مصدر المال الذي اكتسبناه،
وفيما أنفقنا هذه الأموال، وعن الجسم والصحة فيما تم استغلالها في الخير أم غير
ذلك، وفي ذلك يروي أبو برزة الأسلمي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "
لا تَزُولُ قَدَمَا عبدٍ حتى يُسْأَلَ أربع: عن
عُمُرِهِ فِيمَ أَفْنَاه، وعن علمِه ما فعل فيه، وعن مالِه مِن أين اكتسبه وفِيمَ
أَنْفَقَهُ، وعن جِسْمِه فِيمَ أَبْلَاه" (الألباني - صحيح الجامع)، وفي
رواية أخرى عن معاذ بن جبل أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لنْ تَزُولَ قَدَما عبدٍ يومَ القيامةِ حتى يُسْأَلَ عن
أَرْبَعِ خِصالٍ عن عُمُرِهِ فيمَ أَفْناهُ ؟ وعَنْ شَبابِه فيمَ أَبْلاهُ؟
وعَنْ َمالِهِ من أين اكْتَسَبَهُ وفيمَ أنْفَقَهُ؟ وعَنْ علمِهِ ماذا عمِلَ فيه"
(الألباني - صحيح الترغيب).
سوف نحاسب عما نقول،
فما نقول قد يكون سبب في دخول الجنة أو دخول النار، يقول الله عز وجل " مَّا يَلْفِظُ
مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ" (ق: 18)، وعن معاذ بن جبل أنه قال: "يا نبيَّ اللهِ وإنا لمَؤاخَذون بما نتكلَّم به؟
قال: ثَكِلَتْك أُمُّك، وهل يَكبُّ الناسَ في النارِ على وجوهِهم – أو قال: على
مناخرِهم إلا حصائدُ أَلسنِتِهم؟" (الألباني - صحيح الترغيب)
سوف نحاسب على الفرائض، وأول ما يحاسب عليه المسلم الصلاة، حيث قال أبو
هريرة رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أوَّلُ ما يُحاسَبُ الناسُ بِهِ، يَوْمَ القيامَةِ مِنْ أعمالِهمُ الصلاةُ،
يقولُ ربُّنا عزَّ وجلَّ لملائِكَتِهِ وهو أعلمُ: انظروا في صلاةِ عبْدِي
أتَمَّها أَمْ نَقَصَها؟ فَإِنْ كانتْ تامَّةً كُتِبَتْ لَهُ تَامَّةً، وَإِنْ كان
انتقصَ منها شيئًا، قال: انظروا هل لعبدي مِنْ تطَوُّعٍ؟ فإنْ كان له
تَطَوُّعٌ قال: أتِمُّوا لعبدي فريضتَهُ، ثُمَّ تُؤْخَذُ الأَعمالُ على ذاكم"
(الألباني – صحيح الجامع).
سوف نحاسب على
النية، حيث قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: "إنما الأعمالُ بالنياتِ، وإنما لكلِّ امرئٍ ما نوى، فمن
كانت هجرتُه إلى دنيا يصيُبها، أو إلى امرأةٍ ينكحها، فهجرتُه
إلى ما هاجر إليه" (صحيح البخاري). فمن كان ينوي عمل خير ومنعه عذر
كتب الله أجر العمل الذي كان ينوي أن يقوم به، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه
قال: "أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ رجع من غزوةِ تبوكَ،
فدَنا منَ المدينةِ، فقال:" إنَّ بالمدينةِ أقوامًا، ما سِرتُم مسيرًا، ولا قطعتُم واديًا إلا كانوا معكم"، قالوا:
يا رسولَ اللهِ، وهم بالمدينةِ؟ قال: “وهم بالمدينةِ،
حبسهُمُ العذر"ُ. (صحيح البخاري). الله يعلم النوايا فمن ينوي
عمل حسنة ولم يعملها كتبها الله له حسنة حيث أن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إنَّ اللهَ كتب الحسناتِ
والسَّيِّئاتِ ثمَّ بيَّن ذلك، فمن همَّ بحسنةٍ فلم يعمَلْها كتبها اللهُ له عنده
حسنةً كاملةً، فإن هو همَّ بها
وعمِلها كتبها اللهُ له عنده عشرَ حسناتٍ إلى سبعِمائةِ ضعفٍ
إلى أضعافٍ كثيرةٍ، ومن همَّ بسيِّئةٍ فلم يعمَلْها كتبها اللهُ له عنده
حسنةً كاملةً، فإن هو همَّ بها
فعمِلها كتبها اللهُ له سيِّئةً واحدةً" (متفق عليه،
والنص من صحيح البخاري).
الله يرانا ويعلم
ما نفعل "أَلَمْ يَعْلَم
بِأَنَّ اللَّهَ يَرَىٰ" (العلق: 14)، وكل ما نفعله يكتبه ملائكة حافظين
"وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ. كِرَامًا
كَاتِبِينَ. يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ" (الانفطار 10 -12).
وسوف نحاسب عما عملنا،
من يعمل الخير سوف يثاب عليه يوم القيامة، ومن يعمل غير ذلك سوف يرى جزاء ما عمل "فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ.
وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ"
(الزلزلة: 7 -8).
يوم القيامة يؤتى الصالح كتابه بيمينه، ويحاسب
حساباً يسيراً، وأما من يؤتى كتابه بشماله أو من وراء ظهره فسوف يصلى سعيراً "فَأَمَّا مَنْ
أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيَهْ. إِنِّي
ظَنَنتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ. فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ. فِي جَنَّةٍ
عَالِيَةٍ. قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ. كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ
فِي الأَيَّامِ الْخَالِيَةِ. وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ
فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ. وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ. يَا
لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ" (الحاقة: 19-27)، "فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ
كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ. فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا. وَيَنقَلِبُ إِلَى
أَهْلِهِ مَسْرُورًا. وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاء ظَهْرِهِ. فَسَوْفَ
يَدْعُو ثُبُورًا. وَيَصْلَى سَعِيرًا" (الانشقاق: 7 – 12). وكل صغيرة وكبيرة
مدونة في كتاب الأعمال "وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ
مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَٰذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ
صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا ۚ وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا
ۗ وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا" (الكهف: 49).
الله سبحانه وتعالى يقبل التوبة من عباده، ويغفر لمن تاب وآمن وعمل صالحاً،
ويبدل سيئاتهم حسنات ويدخلهم الجنة يوم القيامة،
حيث يقول الله سبحانه وتعالى "قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا
عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ
يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ" (الزمر:
53)، "وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ
اهْتَدَى" (طه: 82)، "إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا
صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ۗ وَكَانَ
اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا" (الفرقان: 70)، "إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ
وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا"
(مريم: 60).
وهناك من
يدخلون الجنة بغير حساب بفضل الله وكرمه وشفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم
حيث قال: "سألتُ اللهَ الشفاعَةَ لأمَّتِي فقال: لَكَ سبعونَ ألفًا يدخلونَ
الجنةَ بغيرِ حسابٍ ولا عذابٍ. قلْتُ: ربِّ زدني، فحثا لي بيدَيْهِ مرتينِ، وعن
يَمينِهِ وعنْ شمالِهِ" (الألباني: صحيح الجامع). وقد جاء وصْفُهم في حَديثِ
ابنِ عبَّاسٍ رضِيَ اللهُ عنهما في الصَّحيحينِ فقال: "هم الَّذين لا
يَستَرْقُونَ، ولا يَتطيَّرونَ، وعلى ربِّهم يَتوكَّلونَ". قال النبيُّ صلَّى
اللهُ عليه وسلَّم: "قلتُ: ربِّ زِدْني"، أي: فوقَ هذا العَدَدِ، وهذا
من حِرْصِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على زِيادةِ الخَيرِ لأُمَّتِهِ،
"فَحَثَا لي بيَديْهِ مرَّتينِ، وعن يَمينِهِ، وعن شِمالِهِ"، أي:
أخبرَهُ أنَّه سيَزيدُهُ يومَ القيامةِ من أُمَّتِهِ بعَدَدِ ما يملأُ غرفتينِ
بيَدِ الرَّحمنِ - ليس كمِثلِه شيءٌ-، ولا يَعلمُ مِقدارَها إلَّا اللهُ.
فيجب أن نحاسب أنفسنا في الدنيا لنفوز في الآخرة،
نحاسب أنفسنا ونغير من سلوكنا وأعمالنا للأفضل لنحصل على الحسنات ونتجنب السيئات.
ندعو الله عز وجل أن يرزقنا العمل الصالح وأن يجعل نية أعمالنا خالصة
لوجهه، وأن نؤتى كتبنا بأيماننا، وأن يجعل حسابنا يسيرا، وأن يجعلنا من الذين
يدخلون الجنة بغير حساب، وأن يحشرنا يوم القيامة في الجنة في الفردوس الأعلى.
جزاك الله خيرا اخي الكريم الدكتور زياد .
ردحذف