الدعم ... إلغاء وبدائل علمية
د. زياد موسى عبد المعطي أحمد
في
الشهور الأخيرة أطلت علينا أزمات رغيف الخبز وأنابيب البوتاجاز والسولار والبنزين،
وهي أزمات تكررت كثيراً خلال السنوات الأخيرة، وأرى أن ما يجمع بين هذه الأزمات هو
أنها أزمات لسلع مدعمة، أي أن الدعم هو الرابط المشترك في هذه الأزمات، دعم لا يصل
لمستحقيه.
فأرى
أن الدعم والسوق السوداء مصطلحان متلازمان يصاحب بعضهما
الآخر، فمن المعروف أن بعض أصحاب المخابز يقومون ببيع الدقيق في السوق السوداء
بربح أعلى مما يحققه لهم بيع الخبز المدعم، وبعض أصحاب مستودعات أنابيب البوتاجاز
يقومون ببيع الأنابيب بأسعار أضعاف السعر الحقيقي لأصحاب مزارع الدواجن وأصحاب
مصانع الطوب، وحتى للمواطنين الذين يشترون بأي سعر وقت الأزمة، وكذلك يقوم بعض
المستغلين بتهريب البنزين والسولار المدعمين لخارج البلاد، أو يقومون بإلقاء هذه
المنتجات في الصحراء لكي تستفحل الأزمة. هذا بالإضافة لسوء حالة بعض هذه المنتجات
المدعمة مثل الخبز المدعم الذي يصل بحالة يرثى لها أو بحجم ووزن أقل من المفترض،
أو أنابيب البوتاجاز التي تعبأ بنصف الكمية المطلوبة، هذا غير الطوابير التي أرهقت
المواطنين للحصول على السلع المدعمة، بالإضافة إلى السلع التموينية المدعمة مثل
السكر والزيت والأرز التي يتم توجيه مليارات الجنيهات لدعم هذه السلع.
ولعدم
تكرار هذه الأزمات مستقبلاً اقترح الانتقال التدريجي من الدعم العيني واستبداله
بالدعم النقدي، وكذلك لا بد من تفعيل دور البحث العلمي، والأخذ بآراء وابتكارات
علماؤنا في الجامعات والمراكز البحثية بإيجاد حلول مبتكرة.
فأرى
أن يتم الانتقال التدريجي من الدعم العيني واستبداله بالدعم النقدي،
وذلك بأن يأخذ كل مواطن نصيبه من الدعم نقود بدلاً من السلع التموينية، أو خبز، أو
وقود مدعم، فيمكن حساب الدعم الكلي في الموازنة العامة، ويتم قسمة هذا المبلغ
الكلي على تعداد السكان في مصر، ثم يتم حساب نصيب الفرد، ويكون نصيب كل أفراد
الشعب متساوٍ، يستوي في ذلك الفقير والغني، الطفل المولود حديثاً مع الشاب اليافع
مع الشيخ الكبير، يستوي في هذا النصيب الوزير مع الغفير، الموظف في الحكومة أو
القطاع العام مع الموظف في القطاع الخاص، أو صاحب الأعمال الحرة، أو من لا يجد
عمل. ثم توزع هذه الأموال على الجميع على البطاقات من خلال بنوك القطاع العام،
ويتم الصرف بنظام الفيزا كارت التي يتبع في الكثير من الهيئات الآن لصرف المرتبات
والحوافز، ويكون هناك فيزا كارت لكل رب أسرة وذلك على حسب البطاقات
العائلية، فعندما يتم قسمة المبالغ المخصصة للدعم (التي تقدر بالمليارات) على عدد
سكان مصر نجد أن نصيب الفرد الواحد يصل إلى عدة مئات من الجنيهات، وأرى أن هذا
يمثل اقتضاء بالدولة الاسلامية في عهد ازدهارها فمن المفترض أن لكل مولود رزقه من
بيت مال المسلمين، وبلغة أيامنا الحالية، لكل مواطن نصيب من الموازنة العامة
للدولة، يصل نصيب الفرد له في كرامة ينفقه حيث يشاء دون مذلة أو هوان الطوابير
أرى
أن هذا الاقتراح يقضي على نغمة وصول الدعم لمن يستحقه الذي تتردد
كثيراً من المسئولين في الماضي والحاضر، وفشلت الحكومات السابقة في توصيل الدعم
لمستحقيه، ومن الصعب تحقيق وصول الدعم لمستحقيه وفق الأسلوب المتبع الآن، ومن وجهة
نظري يحقق هذا الاقتراح نوع كبير من العدالة الاجتماعية، ويقضي على السوق السوداء،
وظاهرة تهريب المنتجات المدعمة، وتصل المنتجات (الخبز والبوتاجاز والبنزين
والسولار والسلع التموينية) بأسعار حقيقية غير مدعمة، ونقضي على ظاهرة الطوابير
التي أرهقت المواطنين، وتضيع أوقاتهم، ونقضي على الاختلاسات أو الرشاوى المتعلقة
بسرقات الدعم، ونقضي على الإضرابات وقطع الطرق نتيجة نقص هذه السلع.
أما
عن الحلول المبتكرة لعلمائنا فأعتقد أنها سوف تقلل من أسعار السلع المتداولة
الآن، وسوف تهدي لنا بدائل أفضل جودة، فمثلاً بالنسبة لموضوع الخبز الحالي المصنوع
من دقيق القمح فقط يمكن الاعتماد على خبز من خليط من دقيق القمح والشعير، أو إيجاد
نوع آخر من النباتات تصلح لعمل دقيق للخبز، وبالنسبة لأزمة البوتاجاز فأعتقد أن
الاسراع في توصيل الغاز للمنازل هو حل جيد لهذه الأزمة، فضلاً عن الاسراع في
استخدام وسائل الطاقة المتجددة، وبالأخص الطاقة الشمسية للأغراض الصناعية
والمنزلية، وأيضاً تطبيق توليد البيوجاز من القمامة والمخلفات الزراعية، أما عن
مشكلة السولار والبنزين فأرى أنه يجب تسريع نشر محطات تزويد السيارات الغاز
الطبيعي في أرجاء البلاد، والاسراع في تحويل السيارات للغاز الطبيعي، وكذلك عمل
خطة لإنتاج سيارات بالطاقة الشمسية كهدف استراتيجي للبلاد لنظافة البيئة والقضاء
على مشكلة وقود السيارات.
فأرى
أن القضاء على الأزمات والوقاية من تكرارها يجب أن يتم بحلول مبتكرة
غير تقليدية، ويجب ألا نسمع مراراً وتكراراً جملة وصول الدعم لمستحقيه، ونحلم بألا
نرى طوابير للحصول على السلع المدعمة، ونحلم بالعدالة الاجتماعية، نحلم بمصر
متقدمة تكاد تخلو من الأزمات.