ضع نفسك مكان الآخر

"ضع نفسك مكان الآخر" منهج إسلامي تربوي إذا طبقه البشر فإنه سيتم حل مشاكل العالم، ولأصبحنا في المدينة الفاضلة. إذا وضع كل منا نفسه مكان الآخر فسينصلح حال الدنيا، قبل أن يتخذ أحداً قراراً في معاملاته يجب عليه أن يفكر في الآخرين ويتصور نفسه في موقع من سوف يتضرر أو يستفيد من أقواله أو قراراته أو أفعاله، وهذه محاولة لإلقاء الضوء على هذا المنهج التربوي فيما يلي:

ضع نفسك مكان الآخر

د. زياد موسى عبد المعطي
       "ضع نفسك مكان الآخر" منهج وأسلوب  إسلامي إذا طبقه البشر فإنه سيتم حل مشاكل العالم، ولأصبحنا في المدينة الفاضلة.  منهج للتربية، أسلوب تعامل بين أفراد الأسرة، بين الزوج والزوجة، بين الوالدين والأولاد، بين رئيس في العمل ومرؤوسيه، بين الغني والفقير، أسلوب للتعامل في محراب العلم،  طريق لدخول الجنة في الآخرة و تيسير الأمور في الدنيا، طريق لاستجابة الدعاء.
 إذا وضع كل منا نفسه مكان الآخر فسينصلح حال الدنيا، قبل أن يتخذ أحداً قراراً في معاملاته يجب عليه أن يفكر في الآخرين ويتصور نفسه في موقع من سوف يتضرر أو يستفيد من أقواله أو قراراته أو أفعاله، وهذه محاولة لإلقاء الضوء على هذا المنهج التربوي فيما يلي:
من أسس الإيمان: عن أنس ابن مالك رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه" (رواه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي).  ولفظ أخيه هنا ليس مقصور على الأخ في النسب، بل الأخوة هنا تشمل الأخوة في الإسلام، بل أيضاً الأخوة في البشرية، فما لا يحبه الإنسان لنفسه لا يحبه لغيره من البشر.
أسلوب تربية: وفي حديث آخر يوضح الرسول الكريم هذا المنهج الإسلامي، عن أبو أمامة الباهلي: "إن فتى شاباً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ائذن لي بالزنا فأقبل القوم عليه فزجروه وقالوا : مه مه فقال : ادنه فدنا منه قريبا قال: فجلس قال : أتحبه لأمك ؟ قال : لا والله جعلني الله فداءك قال: ولا الناس يحبونه لأمهاتهم قال: أفتحبه لابنتك قال : لا والله يا رسول الله جعلني الله فداءك قال : ولا الناس يحبونه لبناتهم قال: أفتحبه لأختك قال : لا والله جعلني الله فداءك قال : ولا الناس يحبونه لأخواتهم قال : أفتحبه لعمتك قال : لا والله جعلني الله فداءك قال : ولا الناس يحبونه لعماتهم قال : أفتحبه لخالتك قال : لا والله جعلني الله فداءك قال : ولا الناس يحبونه لخالاتهم قال: فوضع يده عليه وقال: اللهم اغفر ذنبه وطهر قلبه وحصن فرجه فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء" (الألباني - المصدر: السلسلة الصحيحة - الصفحة أو الرقم1/712).
وفي هذا الصدد أنشد الإمام الشافعي هذ الأبيات:
عفوا تعف نساؤكم في المحرم ..... وتجنبوا ما لا يليق بمسلم
إن الزنا دين فإن أقرضته ..... كان الوفا من أهل بيتك فاعلم
يا هاتكا حرم الرجال وقاطعا ..... سبل المودة عشت غير مكرم
لو كنت حرا من سلالة ماجد ..... ما كنت هتاكا لحرمة مسلم
من يزن يزن به ولو بجداره ..... إن كنت يا هذا لبيبا فافهم
من يزن في قوم بألفي درهم ..... يزن في أهل بيته ولو بالدرهم
أسلوب تعامل في الأسرة: وإذا تعامل الفرد مع والديه فيجب أن يضع المرء نفسه مكان والديه في الكبر، وأن يبرهم في الكبر، وهو بذلك يقدم المثل والقدوة لأبنائه الذين يشاهدونه يبر والديه، وسوف يقلدونه بعد ذلك ويبرونه في الكبر، وفي ذلك نجد الحديث الشريف الذي يرويه عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "بروا آباءكم تبركم أبناءكم وعفوا تعف نساؤكم" (حديث حسن، رواه المنذري - المصدر: الترغيب والترهيب - الصفحة أو الرقم: 3/294)، وكذلك عند معاملة الوالد أو الوالدة مع الأبناء يجب أن يتخيل نفسه أو تتخيل نفسها مكان الأبناء ويعاملونهم بالحسنى، ويعاملونهم كما كانوا يتمنون أن يعاملهم آبائهم.
والمعاملة بين الزوجين يجب أن تكون بالحسنى، عن عائشة أم المؤمنين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال" خيرُكم خيرُكم لأهلِه وأنا خيرُكم لأهلي" (حديث صحيح – صحيح ابن حبان)، فمما قرأته أن زوجة قالت لزوجها عندما كان يداعب ابنتهما الصغيرة، ما شعورك عندما تكبر ابنتنا ويسيء زوجها معاملتها، فأخبرها أن ذلك بالطبع يحزنه، فقالت الزوجة كذلك إذا أسأت معاملتي فإن ذلك يحزن أبي، فيجب عليك أن تحسن معاملتي كما تتمنى أن يحسن زوج ابنتك في المستقبل معاملتها. وبالمثل يجب على الزوجة أن تحسن معاملة زوجها كما تتمنى أن تحسن زوجة ابنها معاملة ابنها، وعلى الزوجة أن تحسن معاملة أم زوجها كما تحب أن تعاملها زوجة ابنها في المستقبل عندما تكون في نفس الموقف.
أسلوب في العمل: حرم الله الظلم على نفسه وينهانا الله عن الظلم، وفي الحديث القدسي الذي يرويه أبو ذر الغفاري عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، فيما روى عن اللهِ تبارك وتعالى أنَّهُ قال "يا عبادي! إني حرَّمتُ الظلمَ على نفسي وجعلتُه بينكم محرَّمًا" (صحيح مسلم)، إذا كنت رئيساً في عملك فتخيل نفسك مكان مرؤوسك، وتذكر نفسك وأنت في بداية سلمك الوظيفي، وأصدر تعليمات تناسب موظفيك وتناسب قدراتهم، وإذا كنت مرؤوس وتطالب بأشياء من رئيسك في العمل فتخيل نفسك مكان رئيسك في العمل وهل في مقدوره تنفيذ مطالبك، وتخيل الضغوط والواقعة عليه وهل هذا الطلب منطقي من وجهة نظره.
إذا كنت حاكماً على قرية أو مدينة أو محافظة أو دولة فتخيل نفسك مكان المحكومين وعاملهم كما تحب أن يعاملك به الحاكم قل أن تكون في منصبك، وإذا كنت محكوم فتخيل نفسك مكان الحاكم ولتعلم أن تحقيق المطالب لا يأتي بين يوم وليلة ولتطالب بمطالب في الإمكان تحقيقها.
أسلوب تعامل بين الأغنياء والفقراء: إذا كنت من الأغنياء واحتاج أحد الفقراء منك مساعدة مادية، وأنت متأكد أنه فعلاً محتاج وليس متسول أو محتال، وكان بإمكانك مساعدته، فضع نفسك مكان المحتاج، وقدم مساعدتك له، وإذا كنت فقير فتخيل نفسك مكان الثري الذي عليه التزامات كأجور العاملين في محلاته أو شركاته وتخيل الأعباء النفسية الواقعة عليه.
طريق للجنة وتيسير الأمور في الدنيا: جعل الله عز وجل قضاء حوائج الناس من صالح الأعمال التي تدخل الجنة وتنجي من النار، ففي الحديث الشريف عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا، نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ، يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا، سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ، مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ" (صحيح مسلم)، وعن عبد الله بن عمر أن رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال "المسلمُ أخو المسلمِ، لا يَظْلِمُه ولا يُسْلِمُه، ومَن كان في حاجةِ أخيه كان اللهُ في حاجتِه، ومَن فرَّجَ عن مسلمٍ كربةً فرَّجَ اللهُ عنه كربةً مِن كُرُبَاتِ يومِ القيامةِ، ومَن ستَرَ مسلمًا ستَرَه اللهُ يومَ القيامة " (متفق عليه).
طريق لاستجابة الدعاء: بل أكثر من ذلك يدلنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الدعاء لأخيك بظهر غيب يجعل الملائكة تدعو للمسلم بمثل دعائه. عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يَدْعُو لأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ، إِلاَّ قَالَ الْمَلَكُ: وَلَكَ بِمِثْلٍ» (صحيح مسلم)
ندعو الله العلي القدير أن يرزقنا العمل الصالح، وأن يرزقنا معاملة مع الناس كما نحب أن يعاملونا.

تعليقات

  1. مقال رائع، وليتناى نأخذ به فى تعاملاتنا مع الاخرين شكرا دكتور زياد
    قاسم زكى
    استاذ الوراثة بجامعة المنيا

    ردحذف
    الردود
    1. جزاكم الله خيراً معالي الدكتور - ندعو الله أن يعلمنا ما ينفعنا وأن ينفعنا بما علمنا وأن يزيدنا علماً وأن يجعل الله العلم طريقنا إلى الجنة - تحياتي لسيادتكم

      حذف

إرسال تعليق