الاستثمار في تربية الأبناء
د. زياد موسى عبد
المعطي
تربية الأبناء تمثل استثمار
للآباء والأمهات فما ينفقون من جهد ومال يجدون نتيجته أرباح في الدنيا على أشكال
مختلفة:
فرحة وزينة: الأبناء والبنات وجودهم
يمثل زينة الحياة الدنيا "الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ
الدُّنْيَا ۖ وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا
وَخَيْرٌ أَمَلًا" (الكهف: 46)، بل الأحفاد أيضاً زينة الدنيا وفضل من الله
"وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ
أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ ۚ أَفَبِالْبَاطِلِ
يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ" (النحل: 72)، الآباء
يفرحون بأبنائهم ينمون ويكبرون وينجحون في حياتهم.
راحة نفسية: وجود الأبناء في الحياة
راحة نفسية، تقر به العين وتسعد به النفس، وفي ذلك نجد في القرآن الكريم ما قالته زوجة
فرعون عندما وجدوا موسى عليه السلام صغيراً "وَقَالَتِ امْرَأَتُ
فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ ۖ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَىٰ أَن يَنفَعَنَا
أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ" (القصص: 9)، وبُعد الأبناء
عن الآباء والأمهات يسبب قلق وتوتر وقربهم يسبب راحة نفسية، وفي ذلك نجد وصف لحالة
أم موسى عليه السلام "فَرَدَدْنَاهُ إِلَىٰ أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا
وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ
لَا يَعْلَمُونَ" (القصص: 13). ومن الأدعية على لسان الصالحين في القرآن
الكريم "وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا
وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا"
(الفرقان: 74).
الأبناء يؤنسون الوحدة
ويكثرون العدد ويرثون بعد الموت: يقول الله عز وجل "وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَىٰ
رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ"
(الأنبياء: 89)، وجود الأولاد يؤنس الوحدة ويستكثر بهم الأب والأم ويزيد عدد أفراد
الأسرة، ويجعل الإنسان يعمل ويكد ويتعب لكي يترك لورثته ما يستعينون به على الحياة
من بعده.
الأبناء عون في الدنيا: يساعد الأبناء
آبائهم في أعمالهم، فمن يعمل في الزراعة يساعده أبناءه في فلاحة الأرض، وكثير من
الحرفيين يساعدهم أبناؤهم في حرفتهم، ومن سير الأنبياء نجد أن إسماعيل عليه السلام
ساعد أباه إبراهيم عليه السلام في رفع قواعد بيت الله الحرام "وَعَهِدْنَا
إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ
وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ" (البقرة: 125)، "وَإِذْ
يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا
تَقَبَّلْ مِنَّا ۖ إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ" (البقرة: 127).
رعاية في الكبر: الآباء عندما يتقدم بهم
السن يحتاجون للرعاية، والله عز وجل أمر الأبناء برعاية الآباء في الكبر
"وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ
إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا
فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا
(23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ
ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا" (24) (الإسراء). الآباء في الكبر
يجب معاملتهما مثلما كانوا يعاملون أبنائهم في الصغر، فالآباء في مرحلة الشيخوخة
هم في مرحلة ضعف مثل مرحلة ضعف الطفولة يحتاجون إلى المعاملة الحسنة الرحيمة
الودودة.
الانفاق على الآباء في
الكبر إذا احتاجوا لذلك: عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها "أنَّ
رجلًا أتى رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يخاصِمُ أباه في دَينٍ عليه فقال
نبيُّ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أنتَ ومالُكَ لأبيكَ" (صحيح ابن حبان).
بعد الموت:
بر الوالدين لا ينقطع بعد
الوفاة: نجد ذلك في الحديث الشريف الذي يرويه أبو أسيد الساعدي مالك بن
ربيعة أن رجلًا قال: يا رسولَ اللهِ هل بقِيَ من برِّ أبويَ شيءٌ أبرُّهما به بعدَ
موتِهما؟ قال: نعم، الصلاةُ عليهما والاستغفارُ لهما وإنفاذُ عهدِهما من بعدِهما
وإكرامُ صديقِهما وصلةُ الرحمِ التي لا تُوصَلُ إلا بهما" (مجموع فتاوي ابن
باز). الصلاة عليهما بمعنى الدعاء لهما "وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا
كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا" (الإسراء: من الآية 24).
عمل صالح بعد الموت: وجود الأبناء الصالحين
بعد موت آبائهم هو عمل صالح يجني به الآباء الحسنات بعد الممات، وامتداد لذكرى
آبائهم، حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا مات العبدُ انقطع عنه
عملُه إلا من ثلاثٍ: صدقةٍ جاريةٍ، أو علمٍ يُنتفَعُ به أو ولدٍ صالحٍ يدعو
له" (متفق عليه)
الأبناء عمل صالح أو غير
ذلك
يجب على الإنسان أن يجتهد
في تربية أبنائه ورعايتهم، ويدعو الله أن يجعل أبناءه عملاً صالحاً، ومن أمثلة
الأبناء الذين لم يصلحوا وكانوا عملاً غير صالح ابن نوح عليه السلام الذي كفر
بالله ولم يؤمن وكان في الطوفان من المغرقين، وفي ذلك قال الله عز وجل "قَالَ
يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ ۖ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ ۖ فَلَا
تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۖ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ
الْجَاهِلِينَ" (هود: 46).
ندعو الله سبحانه وتعالى يجعلنا ثماراً طيبة وأعمالاً صالحة لآبائنا، وأن
يجعل أبنائنا ثماراً طيبة وأعمالاً صالحة لنا، وأن يجمعنا وأهلنا في الجنة إن شاء
الله.