نحو حل مشكلة السحابة السوداء
بقلم: د. زياد موسي عبد المعطي
كان المزارعون في الماضي القريب يستفيدون من قش
الأرز في طهي الطعام في الفرن وعلي الكانون وكانوا يقومون بتخزين قش الأرز علي
أسطح المنازل التي كانت مبنية بالطوب اللبن لحين استخدامه في الطهي وكان القش علي
الأسطح يمثل واقيا من الأمطار في الشتاء وواقيا من حرارة الشمس في الصيف ولكن مع التطور الذي حدث في الحياة
انتشرت أجهزة البوتاجاز ودخلت جميع البيوت في الأرياف كما انتشر استخدام أفران
الغاز فلم يعد يستخدم قش الأرز كوقود وكذلك تغيرت البيوت الريفية ولم
تعد بيوتا بالطوب اللبن وأصبحت بيوتا مبنية بالخرسانة المسلحة والطوب الأحمر كما
هو موجود بالمدن فلم يعد هناك أي حاجة لنقل قش الأرز إلي البيوت الريفية
وصار قش الأرز عبئا علي الفلاح لا يعرف كيف يتصرف فيه.
فماذا يفعل المزارع أيترك قش الأرز في
الحقل ولا يزرع أحد المحاصيل الشتوية أم يخرجه خارج أرضه على الطرق الزراعية فيسد
به الطرق بين الحقول ويصبح أيضا القش مرتعا للفئران والثعابين والكلاب الضالة! فلم
يجد المزارع أمامه من وسيلة أسهل من التخلص من القش بحرقه وتسبب ذلك في ظاهرة
الصحابة السوداء في الريف والمدن.
وحل هذه المشكلة ليس بفرض الغرامات على المزارعين الذين يحرقون قش
الأرز أو حبسهم فماذا يفعل الفلاح وليس أمامه بديل لحرق القش.
وليس الحل في منع زراعة الأرز، فالأرز صنف طعام مهم على
المائدة المصرية لا غني عنه للكثير من الأسر المصرية ومحصول الأرز محصول تصديري
يدر على البلاد ملايين الدولارات.
وإني أري الحل هو إقامة صناعات جديدة تقوم على قش
الأرز والاستفادة من ملايين الأطنان التي تحرق سنويا في إقامة صناعات جديدة
توفر الآلاف من فرص العمل وتنتج مواد ذات سعر اقتصادي منافس فقش الأرز ثروة اقتصادية
يمكن استغلالها بحيث يصبح هذا القش نعمة كبيرة على البلاد لا أن يصبح نقمة
بحرقه.
وفي تصوري أن مشكلة السحابة السوداء وقش
الأرز تمثل مشكلة أمن قومي لما لها من خطورة علي صحة المواطنين في مصر في
الوقت الحالي نتيجة الدخان الكثيف الذي يسبب العديد من الأمراض فعلي سبيل المثال
تسبب السحابة السوداء والدخان زيادة حالات الربو والأزمات
التنفسية وغيرها من الأمراض وهذا القش ثروة يمكن أن يفيد اقتصاد البلاد
إذا ما أحسن استخدامه ومكتبات المراكز البحثية والجامعات في مصرنا الحبيبة مليئة
بالأبحاث التي من خلالها تقوم العديد من الصناعات ولعلمائنا العديد من الخبرات
التي يمكنهم من خلالها تشغيل مصانع تقوم علي هذا القش فهذا القش يمكن استخدامه علي
سبيل المثال في صناعة الخشب وصناعة الورق وتحويله إلي سماد عضوي وتحويله
إلي غاز طبيعي يمكن استخدامه كتربة لزراعة عيش الغراب وغير ذلك.
وإني اقترح أن تعلن الجهات المختصة بحل هذه المشكلة
"المتمثلة في وزارات الزراعة والبيئة والتعليم العالي والبحث العلمي" عن دعوة للعلماء المصريين
في الجامعات والمراكز البحثية الذين لهم أبحاث وخبرات كبيرة في
استخدامات قش الأرز واختيار أفضلهم وأكفأهم. واختيار أفضل الأبحاث
القابلة للتطبيق والإسراع الفوري والإسراع في تنفيذها.
وللإسراع في تنفيذ هذه المشروعات اقترح أن يتم الاستعانة
بالقوات المسلحة التي عودتنا دائما على عبور الحواجز الصعبة في الحرب والسلم
لتنفيذ المصانع التي سوف يتم إقامتها وتجهيز المخازن التي سوف يتم تجميع القش فيها
وأن يراعي في هذه المخازن احتياطات الأمان بحيث تكون لها سقف لا يسمح بتسرب
الأمطار على القش فيفسد ويتعفن وأن يراعي وجود أنظمة إطفاء في المخازن لمواجهة أي
حريق محتمل وكذلك تقوم مصانعنا الحربية بتصنيع المكابس التي سوف يكبس بها القش في
الحقول كي ينقل في السيارات النقل إلى مخازن المصانع.
وفي رأيي أن هذه المشاريع يمكن أن تقام في الظهير
الصحراوي في المحافظات التي تزرع الأرز وأن تقيمها الدولة علي نفقتها وأن يتم
في البداية بتأجير هذه المصانع بنظام حق الانتفاع إلى المستثمرين الجادين ومن يثبت
جديته يتم بيع هذه المشاريع لهم بسعر مخفض ومساعدة هؤلاء المستثمرين الجادين على
إقامة مثل هذه المشاريع.
ولكي تكون بداية هذه المشاريع سريعة يرجي الابتداء
بالمشاريع التي تكون أقل تكلفة والاسرع في التنفيذ والتي لا تحتاج إلى تكلفة
عالية مثل تحويل القش إلى سماد وزراعة عيش الغراب وغير ذلك.
ولنجاح هذه المشاريع يجب أن يتم تدريب مجموعات من
شباب الخريجين على هذه الصناعات وعلى استخدام المكابس التي يمكن أن يتم تأجيرها أو
بيعها لشباب الخريجين الذين يمكنهم أن يكونوا وسطاء بين الفلاحين والمصانع بل يمكن
أيضا تدريب العديد منهم وربات البيوت على زراعة عيش الغراب يستخدم فيها قش
الأرز كتربة صناعية هذا مشروع صغير يستطيعون إقامته في بيوتهم.
المصدر: جريدة الجمهورية
-الجمعة 13 من ذي القعدة 1428هـ -23 من نوفمبر 2007 م – العدد 19688 – صـ 14
الكلمات الدالة: السحابة السوداء،
قش الأرز، الزراعة، أبحاث، سماد، صناعة، خريجين، ثروة، اقتصاد، صحة، أمراض،
مشروعات