المرض منحة
إلهية .... ونعمة ربانية
د. زياد موسى عبد المعطي أحمد
المرض منحة إلهية من الله لعباده في عدة نواحي أٌخروية ودنيوية، فالمرض
قد يرفع درجة الإنسان في الآخرة إلى الدرجات العلية في أعلى الجنان مع خير
البشرية، وفي الأمور الدنيوية للمرض فوائد اجتماعية وعلمية واقتصادية وأخلاقية
ودولية، وجعل الله دعوة للاجتهاد والعمل بعزيمة قوية، وكذلك المرض جند من جنود
الله القوية.
تعريف المرض أنه حالة غير عادية تسبب خلل في الوظائف العادية للجسم، وقد
يكون ذلك بسبب وجود مسبب مرضي (مثل الفيروسات أو البكتيريا أو الفطريات) أو أسباب
وراثية أو ملوثات أو غير ذلك، ويكون المرض مصحوباً ببعض الأعراض (مثل الصداع أو
المغص) وقد يؤدي المرض في بعض الأحيان للوفاة.
المرض من الناحية الدينية ابتلاء من الله للإنسان في الدنيا، من يصبر ويحتسب أجره
على الله يرفع الله درجاته في الجنة، فكما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم” مَا
مِنْ مُصِيبَةٍ تُصِيبُ الْمُسْلِمَ إِلا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا عَنْهُ حَتَّى
الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا" وكذلك قال "مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ
نَصَبٍ وَلا وَصَبٍ وَلا هَمٍّ وَلا حُزْنٍ وَلا أَذًى وَلا غَمٍّ حَتَّى
الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا إِلا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ" و"
أَشَدُّ النَّاسِ بَلاءً الأنبياء ثُمَّ الأمثل فالأمثل".
المرض جعله ابتلاء للبعض لكي يتفكر الجميع ويعلموا فضل الله
ونعمه عليهم بالصحة، فكما نعلم أنه "بضدها تتميز الأشياء"، فالليل نقيض
النهار، واللون الأبيض عكس اللون الأسود، والصحة تتضح بالمرض، فمما علمنا رسول
الله صلى الله عليه وسلم أن نقول عند رؤية مبتلى بعاهة أو مرض "الحمد لله
الذي عافني مما ابتلى به كثيراً من خلفه"، ولنحمد الله جميعاً على الصحة
والعافية، وهناك حكمة تقول "الصحة تاج فوق رؤوس الأصحاء"، ولنحمد الله
على الصحة والعافية.
المرض دعوة للحذر وتغيير السلوك عند التعامل مع الأمراض المعدية، فمن
أقوال الرسول صلى الله عليه وسلم "فروا من الجذام فراركم من الأسد"،
والجذام كما هو معروف مرض جلدي معدي يجعل الأطراف تتساقط، ومن سنته صلى الله عليه
وسلم ألا ندخل أرض موبوءة، ومن يوجد في أرض موبوءة لا يخرج من حتى لا يتفشى المرض
المعدي، فمن الإسلام أن نأخذ حذرنا من الأمراض المعدية "يأيها الذين أمنوا
خذوا حذركم"، فمن الحكمة الحذر من الأمراض المعدية بلا تهوين أو تهويل.
وكذلك المرض دعوة إلى السلام ونبذ الحروب، فالتشوهات والأمراض الوراثية التي
نتجت عن استخدام القنابل الذرية في الحرب العالمية الثانية في مدينتي هيروشيما
ونجازاكي اليابانيتين والتي لا يزال سكان المدينتين يعانون منها حتى الآن هي أكبر
رادع منع دول العالم من استخدام هذه القنابل في الحروب حتى الآن، فهذه التشوهات
وأمراض الوراثية تحمي العالم من أسلحة الدمار الشامل، وتدعو العالم للسلام والعيش
في أمان.
وكذلك الخوف من الأمراض دعوة للتعاون الدولي، مثلما يحدث عند تفشي الأمراض
الوبائية فتجعل منظمة الصحة العالمية دول العالم تتخذ بعض الإجراءات الوقائية للحد
من انتشار الأمراض على مستوى العالم، وكذلك التعاون الدولي للحد من استخدام أسلحة
الدمار الشامل والأسلحة الكيماوية والأسلحة البيولوجية خوفاً من الأمراض التي
تسببها هذه الأسلحة.
والمرض دعوة إلى العدل، فالمرض قد يجعل بعض الناس يراجعون أنفسهم، وقد يذكر المرض
بعض الظالمين بالله وباليوم الآخر ويقلعون عن ظلمهم، فأعظم العظماء وأقوى الأقوياء
وأغنى الأغنياء، قد يلازم الفراش لعدة أيام لإصابته بأقل داء، وقد يتذكر أنه
"إذا دعتك قدرتك على ظلم الناس فتذكر قدرة الله عليك"، فيرجع الظالم عن
ظلمه.
كما أن المرض يجعل بعض العلاقات الاجتماعية تعود إلى مجاريها،
فزيارة الأهل والأصدقاء للمرضي قد تعيد بعض المحبة والود بين الناس، وزيارة المريض
يأخذ المسلم عليها الثواب من الله، ففي الحديث القدسي "عبدي مرضت فلم تعدني،
فيقول أي ربي كيف أعودك وأنت رب العالمين، قال أما علمت أن عبدي فلانً قد مرض، أما
علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده"، ومن السنة النبوية أن ندعو للمريض عند
زيارته فنقول "لا بأس طهور إن شاء الله" "أسأل الله العظيم رب
العرش العظيم أن يشفيك".
ومن الناحية الاقتصادية فإن الأمراض توفر ملايين فرص العمل للبشر في
العالم،
حيث أن هناك العديد من البشر يعملون على علاج الأمراض في المستشفيات والصيدليات
وشركات الأدوية، وفي الجامعات والمراكز البحثية من العلماء والباحثين، فنعمة الله
على البشرية بحدوث الأمراض أنعمت على البشرية بملايين فرص العمل.
وحرص الإنسان على علاج الأمراض له فضل في التقدم العلمي، فالأمراض هي سبب اكتشاف الميكروبات،
وسبب الاهتمام بعلم الميكروبيولوجي، والأمراض دافع لتقدم عدد آخر من العلوم الأخرى
التي لها الفضل في تقدم البشرية في نواحي صناعية وإنتاجية أخرى، فالتقدم في علم
الميكروبيولوجي خدم البشرية ليس في شفاء الأمراض البشرية فحسب بل في علاج أمراض
النباتات والحيوانات، وفي نواحي إنتاجية أخرى حيث تستخدم الميكروبات في إنتاج مواد
أخرى في الصناعة والزراعة، كذلك تطور الميكروسكوبات وأجهزة التحاليل وغير ذلك مما
يستخدم في علاج الأمراض يستخدم في فروع علمية أخرى أدت إلى التقدم والرقي للبشرية.
والخوف من المرض رادع أقوى من أي قانون، وقد يكون عقاب رباني للمجرمين
والعاصين، فمثلاً الخوف من الأمراض التناسلية مثل الزهري والسيلان، وكذلك مرض
الإيدز يجعل الكثيرين يرتدعون ويمتنعون عن العلاقات المحرمة أكثر من خوفهم من
القانون، وللأسف أكثر من خوفهم من الله عز وجل، ومن ثم فقد جعل الله الأمراض
التناسلية رادع وعقاب سماوي لمن يفكر أو يفعل الفاحشة.
كما أن الخوف من الأمراض يدعو إلى النظافة الشخصية، مثل نظافة الأسنان خوفاً من تسوس
الأسنان، ونظافة الأبدان خوفاً من الأمراض الجلدية، ودعوة للنظافة العامة، مثل
الحفاظ على البيئة من التلوث.
والخوف من الأمراض دعوة للاجتهاد في العمل، وتجعل من يجد ويجتهد يجد ثمار عمله
نجاح وفرحة وأموال، فمثلاً الخوف من الأمراض التي تصيب النباتات والحيوانات تدعو
المزارعين وأصحاب مزارع الحيوانات إلى الاجتهاد، فلا يستوي الذين يعملون والذين لا
يعملون، فالفلاح أو المزارع الذي يعتني بمحاصيله ويقاوم الأمراض التي تصيب هذه
المحاصيل يحصل على محصول وافر، والكسلان الذي لا يهتم يحصل عل محصول قليل ويجد ما
لا يسره، والذي لا يهتم بنظافة مزارع الحيوانات ويهتم بصحة حيواناته تنفق منه
حيواناته ويخسر الكثير من المال، والمجتهد الذي يعتني بصحة الحيوانات يكسب الكثير
من المال.
والأمراض التي تصيب الأعداء الطبيعية للبشرية يستخدمها العلماء في
المقاومة الحيوية (البيولوجية)، مثل استخدام الميكروبات التي تتخصص في إحداث الأمراض للحشرات
الضارة يمكن استخدامها في القضاء على هذه الحشرات، وكذلك بعض الميكروبات التي تصيب
الحشائش ولا تؤثر في النباتات الأخرى يتم استخدامه في القضاء على هذه الحشائش.
كما أن المرض جند من جند الله، فعندما حاصر نابليون بونابرت عكا،
ما صده عنها إلا إصابة جنوده بمرض الطاعون، والأمراض الوبائية ممكن عند انتشارها
أن تكون أقوى من أي أسلحة وأي جنود تصيب الملايين من الضحايا، وتبيد الآلاف وتقتل
الملايين.
فسبحان الله الخالق الذي أنعم علينا بالصحة والمرض، والذي خلق كل شيء
لحكمة، وكل خلق من الله نعمة، وصدق الله إذ قال "وإن تعدو نعمة الله لا
تحصوها" والحمد لله على الصحة والمرض، الحمد لله كما يليق بجلال وجهه وعظيم
سلطانه.
مقالة منشورة في جريدة الجمهورية المصرية: الجمعة 8 من المحرم 1431هـ - 25 من ديسمبر 2009م – العدد 20451 - صـ 12