دراما "تبني" وتضيء

                                 
دراما تبني وتضيء

دراما "تبني" وتضيء

بقلم: د. زياد موسى عبد المعطي

الدراما المصرية لعبت ولاتزال تلعب دور مهما في نشر الثقافة المصرية في العالم العربي، ولا ينكر أحد ريادة الدراما المصرية على المستوي العربي. وأن الدراما المصرية جعلت العامية المصرية مفهومة لعامة الشعب العربي، وجعلت اللهجة العامية المصرية هي الأشهر على المستوي العربي. 

فما دفعني للكتابة في هذه الدراما هو شكوى إحدى الموظفات المصريات في دول الخليج التي تقول إن بعض الذين يعملون معها من الخليجيين يحسبونها تعمل في عمل آخر في المساء بعد مشاهدتهم لأحدي المسرحيات التي يقول فيها أحد الفنانين "لو أن كل واحد ساكن تحته رقاصة كان نص الشعب المصري هيعزل من سكنه". وما دفعني لذلك أيضاً هو أن بعض الاطفال والشباب يقلدون بعض الحركات والأفعال السيئة لبعض الممثلين. حيث سمعت بعض فئات الحرفيين ينادون على بعضهم فيقول الواحد للآخر يا "لمبي" فيقلدون شخصية اللمبي في الحركات والمشي واللهجة. فهل هذه الشخصية وهذا الفيلم يعتبر قدوة للشباب والأطفال؟ 

والدراما المصرية تقدم صورا إيجابية وأخري سلبية عن المواطن المصري، فمثلاً في الأفلام التي تقدم صورة المقاتل المصري هناك أفلام تقدم صورة ايجابية عن المقاتل المصري، وتبرز أهمية التخطيط السليم والتدريب الجيد مثل فيلم "الطريق الي إيلات" وغيرها من الأفلام التي عبرت عن نصر أكتوبر المجيد، وعلى الجانب الآخر نجد أفلاماً أخري رسمت صورة سلبية عن المقاتل المصري مثل أفلام اسماعيل ياسين التي تصور المقاتل المصري جباناً وخائفاً، وأفلام أخري تصور المقاتل المصري مشاغباً في الجيش وغيرها من الأفلام.

أما عن الصورة التي ترسمها الدراما المصرية عن العلماء فلم أرى صورة إيجابية في أي من الأعمال الدرامية "سينما أو تليفزيون أو مسرح" فصورة العالم المصري في السينما شخص معقد، فمثلاً في فيلم "واحدة بواحدة" نجد صورة العالم معقداً لا يتعامل مع النساء. وعندما يجري تجاربه ينفجر المعمل. وعندما يخترع نجده يخترع الفنكوش "مادة مسكرة ومُضرة"، وفي مسلسل آخر نجد أستاذا في كلية العلوم عندما يلتقطون له صورة يقول لتلاميذه لا تضحكوا وكشروا "الصورة علمية" مما يمثل صور منفرة للعلماء. 

أما عن الصورة التي ترسمها المسلسلات والأفلام المصرية عن رجال الأعمال فأغلبها صور سلبية تصورهم في صورة لصوص وجشعين واستغلاليين. وكل همهم المال فقط. وبأي طريقة. 

للدراما دوراً مهماً في التثقيف والتعليم وتقديم قدوة للشباب والأطفال فبإمكان الدراما أن تقدم القدوة الحسنة فتبني شخصية النشء وتضيء لهم الطريق، وتعطي صورة جيدة للشعب المصري، وتعطي صورة جيدة عن الشخصية المصرية في الخارج وخصوصاًفي الدول العربية.

فمن الصور السلبية التي تقدمها السينما المصرية عن الشخصيات المصرية أن بطل الفيلم عندما يتعرض لمشكلة يدخن السجائر أو يشرب الخمر أو يذهب الي البغايا ليفعل المنكرات، وهي صورة سيئة للغاية نرجو أن تتحول الي صورة إيجابية في الأعمال السينمائية.

وأضرب مثلا لصورة ايجابية في فيلم "الحاسة السابعة" عندما تعرض بطل الفيلم لمشكلة ذهب الي المسجد وصلي ودعا الله واستشار والده فدله علي الخير. وهي صورة يجب أن تكثر في أفلامنا. وهي صورة تعليمية إرشادية جيدة. 

وإنني أري أن من الصور الايجابية التي قدمتها الدراما المصرية في المسلسلات والأفلام التي تناولت تفوق الجندي المصري في حرب أكتوبر المجيدة وانتصار العقلية المصرية في الأعمال التي تناولت بطولات رجال المخابرات مثل مسلسلات "رأفت الهجان" و"دموع في عيون وقحة" وفيلم "اعدام ميت" وغيرها من الأفلام التي تعطي المواطن المصري شحنة إحساس بالفخر والاعتزاز. وإني أدعو منتجي الدراما المصرية لإنتاج المزيد من هذه الأعمال حيث توقف انتاج هذه الأفلام منذ فترة ليست قصيرة، كما أن المسلسلات التي تنتج في الفترة الأخيرة عن أعمال المخابرات لم تكن بنجوم الصف الأول. 

وهناك أفلام كثيرة تحكي عن بزوغ نجم مطرب بدأ من الصفر حتى صار نجماً يُشار إليه بالبنان، وهذه النوعية من الأفلام كانت كثيرة في الستينيات ولكني لم أرى عملاً درامياً يصور عالماً اجتهد في مراحل التعليم المختلفة، وتفوق ونال الماجستير والدكتوراه، وأصبح عالماً يُشار اليه بالبنان، وله انجازاته العلمية العالمية، فيمكن كتابة أفلام من هذه النوعية بعضها يتناول السير الذاتية لعلمائنا البارزين في الماضي والحاضر، فمثلاً يمكن عمل أفلام عن علمائنا الراحلين مثل د. مصطفي مشرفة. ومن علماء الحاضر في الخارج د. أحمد زويل. د. مجدي يعقوب. د. فاروق الباز. ومن علماء الداخل العالميين د. محمد غنيم مؤسس مركز الكلي بالمنصورة. وغيرهم كثيرون من العلماء الذين يجب علينا جعلهم قدوة للأطفال والشباب. فيمكن من الأعمال الدرامية الناجحة أن نغير طموح الكثير من النشء ونجعل طموحهم أن يكونوا مثل هؤلاء العلماء النابهين. 

وعن صورة رجال الأعمال التي تقدمها لنا الأعمال الدرامية يجب أن نري صورا ايجابية كثيرة عن رجال أعمال صالحين يساهمون بفاعلية في بناء المجتمع وتوفير الآلاف من فرص العمل. فيمكن في هذا السياق انتاج أعمال درامية عن السير الذاتية لرجال أعمال صالحين راحلين وحاليين. راحلين مثل طلعت باشا حرب. والحاليون كثيرون. 

وعن صورة رجال الدين المعاصرين فعلينا انتاج أعمال درامية تقدم لنا صورة مضيئة لعلماء الدين في العصر الحديث على غرار المسلسل الذي يتناول قصة حياة الشيخ الشعراوي. فأقترح انتاج أعمال درامية تتناول حياة المشايخ "جاد الحق علي جاد الحق. عبد الحليم محمود. محمد الغزالي" وغيرهم من أعلام علماء الدين في العصر الحديث. 

وإني أري أن هناك من يري أن هذه الاقتراحات غير منطقية وأن الأعمال الدرامية الحالية تميل الي الواقعية، وإني أقول إن إبراز الجانب الإيجابي أيضاً من الواقعية. فقط علينا أن نري نصف الكوب الممتلئ لا أن نري النصف الفارغ من الكوب، بل يجب الصورة كاملة، فمصر بها العديد من الشخصيات البارزة التي تمثل القدوة وتعطي الأمل في الإصلاح، ومصر ليست كلها شخصيات سلبية فمصر بها علماء نابهون، ورجال أعمال شرفاء، وسيدات فُضليات، والأعمال الدرامية يجب أن تعطي القدوة والمثل الصالح والجانب المضيء كما تبرز الجانب السلبي والجانب المظلم، وأن تعطي للمواطنين الأمل في حياة أفضل. 

وهناك من يقول إنه إذا تم انتاج أفلام على هذا المنوال فلن تحقق إيرادات، فأقول أولاً إن الأعمال الدرامية ترتقي بالذوق العام، ولا يجب أن تنساق وراء أذواق غير سليمة. وثانياً أن إيرادات الأفلام لا تعتمد على دور العرض في مصر فقط. فمثلاً انتاج أعمال درامية عن أعلام العلم أو الدين أو غيرها من مناحي الحياة يضمن تسويقاً خارجياً ممتازاً، ويمكن ترجمة هذه الأعمال للعديد من اللغات وذلك غير الإيرادات عبر القنوات الفضائية والأرضية في العالم. 

فمن خلال ما سبق أدعو أن تتبني وسائل الإعلام بالتعاون مع الوزارات المختصة المتمثلة في وزارات الإعلام والثقافة والبحث العلمي حملة في عنوانها "دراما تبني وتضيء وتلمع" وأن يتم عمل استبيان عن مدي تأثير الأعمال الدرامية في سلوك المصريين وفي صورة المصريين في الخارج وأن يقوم المختصون من الآن في عمل خطة لكي تقوم الأعمال الدرامية بتقديم صور مضيئة للشعب المصري. تبني طموحات جديدة للأطفال والشباب تضيء لهم الطريق بتقديم القدوة والمثل الأعلى. تلمع صورة المصريين في الخارج. وانتاج أعمال درامية منافسة للأعمال العالمية. نصدرها للأسواق العالمية لها سوقها. تكون مصادر الدخل القومي. فهيا بنا نحلم. ونخطط ونبدأ في التنفيذ لإنتاج هذه النوعية من الدراما. 

المصدر: جريدة الجمهورية - الجمعة 12 من ذي الحجة 1428هـ - 21 من ديسمبر 2007 م – العدد 19716– صـ 12.

دراما تبني وتضيء


إرسال تعليق

أحدث أقدم