الفيروسات الصديقة "2"


الفيروسات الصديقة (2)

الفيروسات الصديقة "2"

بقلم: د. زياد موسي عبد المعطي

المعروف لدي عامة الناس أن الفيروسات تسبب أمراض خطيرة للإنسان، بعضها قد يؤدي إلى الوفاة مثل أمراض شلل الأطفال والجدري والانفلونزا بأنواعها وغيرها من الأمراض الخطيرة، فهل يمكن ان تستخدم الفيروسات في علاج الأمراض البشرية؟ 

نعم يمكن ذلك فيمكن علاج الأمراض البكتيرية بالفيروسات البكتيرية "أو البكتيريوفاج أو الفاج"، وهو علم له العديد من المتخصصين في العالم حالياً، وهذا العلاج يتم استخدامه منذ بدايات القرن الماضي بنجاح كبير. 

هناك أنواع من الفيروسات البكتيرية تسبب دمارا للخلايا البكتيريا التي تصيبها، فعندما يغزو فيروس خلية بكتيرية يتمكن من السيطرة عليها، ويجبرها على نسخ عدد من المحتوي الوراثي للفيروس، ويتم في النهاية تدمير الخلية البكتيرية وينطلق عشرات أو مئات من هذه الفيروسات لتصيب خلايا بكتيرية جديدة.

هذه الفيروسات لها درجة عالية من التخصص حيث ان كل فيروس يصيب عدد قليل من الأنواع البكتيرية، أو يصيب نوع واحد من البكتيريا، بل في بعض الحالات يصيب سلالات معينة من النوع الواحد ولا يصيب سلالات أخري من نفس النوع، وكذلك فإن النوع الواحد من البكتيريا يمكن ان يصيبه أكثر من نوع من هذه الفيروسات البكتيرية. 

هذا الاستخدام للفيروسات البكتيرية التي تسمي أيضا بالبكتيريوفاج أو الفاج يسمي بعلم العلاج بالفاج أو Phage Therapy، وتستخدم بنجاح منقطع النظير في دول أوروبا الشرقية ودول الاتحاد السوفيتي السابق منذ بدايات القرن الماضي، ويستخدمه الاطباء هناك في علاج  مختلف الأمراض البكتيرية، وقد استخدمه علماء الاتحاد السوفيتي السابق بنجاح كبير في علاج  الجرحى والمرضي في أثناء الحرب العالمية الثانية، وتقدم هذا العلم في دول الكتلة الشرقية بشكل واضح، ومنعت الحرب الباردة آنذاك من انتشاره في العالم، وكانت الأبحاث في هذا المجال تنشر باللغات المحلية لهذه الدول. 

أما الولايات المتحدة والدول الغربية فقد بدأت أبحاث العلاج بالفيروسات البكتيرية في بدايات القرن الماضي أيضاً، ولكن ظهور المضادات الحيوية في الأربعينيات جعل هذه الدول تهمل هذا الجانب من الأبحاث لما للمضادات الحيوية من مجال واسع ضد البكتيريا، ولكن مع ظهور السلالات المقاومة للمضادات الحيوية، وانتشار هذه الطفرات التي جعلت البكتيريا تقاوم المضادات الحيوية، وكذلك لما للمضادات الحيوية من آثار جانبية، اضطرت الدول الغربية للعودة لأبحاث العلاج بالفيروسات البكتيرية لما لها من مزايا كثيرة عن المضادات الحيوية، ونشطت هذه الأبحاث في الدول الغربية في التسعينيات، وساعدهم في ذلك انتهاء الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفيتي السابق مما ساعد علي نقل الخبرات في هذا المجال من الدول الشرقية للدول الغربية. 

وللعلاج بالفيروسات البكتيرية مزايا كثيرة عن العلاج بالمضادات الحيوية منها: 

1-           هذه الفيروسات تتكاثر عندما تصيب الخلايا البكتيرية الممرضة، ومن ثم ففي الغالب جرعة واحدة فقط كافية للقضاء على البكتيرية الممرضة كلها الموجودة في الجسم بعكس المضادات الحيوية التي تحتاج لعدة جرعات. 

2-           هذه الفيروسات متخصصة تصيب فقط البكتيريا الممرضة المستهدفة، ولا تؤثر على البكتيريا الأخرى النافعة داخل جسم الإنسان بعكس المضادات الحيوية التي لا تميز بين البكتيريا النافعة والضارة. 

3-           هذه الفيروسات تتكاثر عندما تكون البكتيريا الممرضة المستهدفة موجودة فإذا قضت عليها كلها توقف نموها. 

4-           حجمها صغير وتصل للبكتيريا المستهدفة أينما وجدت في الجسم، ويتركز تكاثرها في مكان الإصابة البكتيرية فقط بعكس المضادات الحيوية التي تؤثر في جميع أنحاء الجسم. 

5-           هذه الفيروسات ليس لها أي أضرار جانبية، وليس لها موانع استعمال، فتم استخدامها بنجاح في علاج الاطفال حديثي الولادة والحوامل بعكس الكثير من المضادات الحيوية ذات الاثار الجانبية الكثيرة، وكذلك لها موانع استعمال عديدة. 

6-           لا تسبب هذه الفيروسات حساسية بعكس المضادات الحيوية التي قد تسبب أحيانا نوعا من الحساسية. 

7-           الفيروسات البكتيرية يمكن ان تستخدم للوقاية من الأمراض البكتيرية كما تستخدم لعلاجها أيضا. 

8-           تستخدم هذه الفيروسات كخليط من عدد الفيروسات "من 3 إلى 6" التي تصيب البكتيريا الواحدة وذلك لتجنب حدوث الطفرات المقاومة من البكتيريا فإذا حدثت طفرة وقاومت البكتيريا فيروس معين تصاب بالآخر بعكس المضادات الحيوية التي من السهل ان تنتج البكتيريا سلالات مقاومة ضدها. 

9-           اكتشاف أنواع جديدة من الفيروسات البكتيرية أسرع وأسهل وأقل تكلفة من اكتشاف مضادات حيوية جديدة. 

10-     التكلفة الاقتصادية لإنتاج هذه الفيروسات أقل التكلفة الاقتصادية لإنتاج المضادات الحيوية.

11-     ويمكن استخدام هذه الفيروسات في جميع الصور الدوائية في صورة أشربة أو مراهم أو حقن أو حبوب. 

وتخصص الفيروسات البكتيرية قد يعتبر عيباً أحيانا فمثلاً عندما تكون هناك إصابة بكتيرية، ومن المحتمل ان تكون البكتيريا الممرضة أحد ثلاث أو أربع أنواع من البكتيريا، كان في البداية لابد من معرفة نوع البكتيريا الممرضة ولكن أمكن تلافي هذا العيب بعمل خليط من الفيروسات البكتيرية التي تصيب جميع الأنواع البكتيرية الممرضة المحتملة لمرض معين. 

وهذه الفيروسات تستخدم أيضا بنجاح في مكافحة الأمراض البكتيرية التي تصيب الانسان كما تستعمل بنجاح في علاج أمراض الحيوانات وأمراض النباتات

بل تستخدم كذلك في حفظ الأغذية ومنع الفساد البكتيري للأغذية وأيضا تستعمل في مكافحة التلوث البكتيري للمياه. 

وفي الوطن العربي المتخصصون في هذا المجال قليلون والأبحاث في هذا المجال محدودة وكاتب هذه السطور له أبحاث في استخدام الفيروسات البكتيرية في مكافحة الأمراض النباتية وأعطت نتائج أفضل من غيرها من الوسائل الأخرى للقضاء على المرض البكتيري محل دراسته فنأمل ان تنشط الأبحاث في العالم العربي في هذا المجال. 

 المصدر: جريدة الجمهورية: الأربعاء 9 من ذي القعدة 1430هـ -28 من أكتوبر 2009م – العدد 20393 – صـ 13

الفيروسات الصديقة 2




إرسال تعليق

أحدث أقدم