لا لنشر الشائعات

 

لا لنشر الشائعات

لا لنشر الشائعات

د. زياد موسى عبد المعطي

           الإشاعة هي خبر أو مجموعة أخبار زائفة أو معلومة أو مجموعة من المعلومات الخاطئة تنتشر في المجتمع بشكل سريع ويتم تداولها بين عامة الناس ظناً منهم على أنها أخبار صحيحة. وفي الغالب تكون مجهولة المصدر. وقد يكون مصدر الشائعة مصدر اعتاد على الكذب؛ قد شخص أو وسيلة إعلامية أو موقع الكتروني اعتاد على الكذب.

الشائعات ليست جديدة في تاريخ البشرية، الشائعات موجودة منذ فجر تاريخ البشر، أول شائعة في تاريخ البشرية مصدرها إبليس اللعين الذي وسوس لآدم وحواء وجعلهم يأكلون من الشجرة التي حرم الله عليهما الأكل منها، وقال لهما أن الله حرم عليهما الأكل من هذه الشجرة حتى لا يكونا ملكين أو يكومنا من الخالدين، وكان الأكل من ثمار هذه الشجرة سبباً في خروجهما من الجنة.

الله سبحانه وتعالى في علمه أن آدم وذريته سوف يسكنون الأرض، ويعمرون الأرض، وكان هذا الموقف بين إبليس اللعين من جهة، وآدم وحواء من جهة أخرى فيه دروس كثيرة مستفادة منها ألا نصدق الشائعات وألا نصدق مصدر أخبار أو معلومات كاذبة.

والشائعات طالت الأنبياء والمرسلين، وطالت خاتم الأنبياء والمرسلين محمد صلى الله عليه وسلم، حيث قالوا عنه أنه شاعر وساحر وكاهن، وما قالوه كذب وافتراء، رسول الله صلى الله عليه وسلم الصادق الأمين اختاره الله ليكون آخر النبيين، ورسالته للعالمين. وطالت الشائعات عِرض رسول الله صلى الله عليه وسلم في شائعة الإفك عن السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، وبرأها الله سبحانه وتعالى في قرآن يتلى إلى يوم القيامة.

الله سبحانه وتعالى ينهانا عن نشر الشائعات، ويأمرنا أن نتبين، ونتأكد من صحة ما يصلنا من أخبار حيث يقول الله سبحانه وتعالى "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ" (الحجرات: 6).

وفي الآية السابقة لفظ "تصيبوا" أي أن الخبر الكاذب يسبب إصابة أو ضرر يلحق ببعض الناس نتيجة انتشار الشائعة. والإصابة التي تحدث نتيجة الخبر الكاذب أو المعلومة الكاذبة تشبه الإصابة الميكروبية المسببة للأمراض التي تنتشر بين البشر بسبب التقارب أو المعاملة بين الناس، وكذلك تنتشر الشائعة بين عامة الناس، وأحيانا تكون الشائعة أكثر وأسرع انتشاراً من انتشار الأمراض، وقد تكون الشائعات سبباً في انتشار الأمراض نتيجة انتشار معلومات غير صحيحة يتداولها عامة الناس.

وفي الآية السابقة لفظ "تبينوا" أي يجب التأكد من صحة الخبر أو المعلومة، أي لا تصدق كل ما ترى أو تسمع أو تقرأ، يجب أن يكون مصدر الخبر أو المعلومة مصدر موثوق فيه.

        بعض الناس قد يظن أنه ما دام ليس الشخص الذي يتناقل المعلومة أو الخبر ليس هو المصدر فلا إثم عليه ولا ذنب عليه، وهذا غير صحيح لأنه كما وضحنا أنه في الآية السابقة ذكر الله سبحانه وتعالى لفظ "تبينوا" أي تأكدوا من صحة المعلومة أو الخبر، وكذلك يقول الله سبحانه وتعالى مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (ٌق: 18)، أي كل ما يقوله الإنسان يكتب في كتابه الذي سوف يقرأه يوم القيامة ويكتب حسنات أو سيئات.

وينهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نشر الشائعات، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كفى بالمرءِ إثمًا أنْ يُحدِّثَ بكلِّ ما سمِع" (صحيح - مسلم وأبو داوود). إذا لم تكن متأكد من صحة الخبر لا تنشره، حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "مَن كان يُؤمِنُ باللهِ واليومِ الآخرِ، فليَقُلْ خيْرًا، أو لِيَصْمُتْ" (متفق عليه).

       هل نشر الشائعات عبر وسائل التواصل الاجتماعي عليها مسؤولية، وعليها وزر؟ نعم عليها مسؤولية ووز؛ يقول الله سبحانه وتعالى "كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ" (المدثر: 38)، أي كل إنسان مسؤول عما يفعل سواء أكان ذلك بالقول أو بالفعل حيث يقول الله عز وجل "يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ" (النور: 24). نشر الشائعات عبر مواقع التواصل الاجتماعي قد يكون على مدى أوسع وقد يتسبب في أضرار أكثر من نشر الشائعة باللسان، فيجب تحري الدقة فيما يتم نشره أو مشاركته عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

       كيف نتحقق من صحة المعلومة أو الخبر ونتأكد أنها ليست شائعة؟

لا تأخذ الأخبار إلا من مصادر موثوق فيها، ولا تأخذوا العلم إلا من العلماء، ولا تأخذوا الحكمة إلا من الحكماء.

       إذا كنت غير متأكد من معلومة أسأل أهل التخصص ممن يفهمون في الموضوع، حيث يقول الله عز وجل "فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ" (النحل: 43). والمقصود بأهل الذكر هم أهل التخصص، أي نسأل المتخصصين في الطب عن المواضيع المتعلقة بالطب، ونسأل المتخصصين في الهندسة عن المواضع المتعلقة بالهندسة، ونسأل المتخصصين في الدين في المواضيع المتعلقة بالدين، ..... وهكذا.

إذا كان من الصعب التواصل مع أهل التخصص فمن الممكن البحث على الانترنت من خلال مواقع موثوق فيها التأكد من صحة المعلومة.

إذا كان الخبر أو المعلومة متعلق بأحد الأهل أو الأقارب أو المعارف وكنت غير متأكد من صحة الخبر أو المعلومة فيجب التأكد من صحة الخبر أو المعلومة قبل نشرها بأي وسيلة من خلال الاتصال بالشخص الذي يخصه الخبر أو المعلومة أو أحد أقاربه أو أصدقائه المقربين.

الشائعات لها تأثيرات ضارة على الأفراد والمجتمعات والدول، الإشاعات قد تضر سٌمعة إنسان، قد تؤدي إلى تدمير أُسر وتشريد أطفال، قد تؤدي إلى الإضرار باقتصاد دول قد تؤدي إلى نشوب حروب.

إشاعة خبر كاذب يتعلق بصحة الإنسان قد يسبب أضرار صحية، على سبيل المثال إشاعة أن دواء معين أو أعشاب معينة تقي أو تشفي من المرض، قد تؤثر سلباً مما يسبب أعراض جانبية قد تكون خطيرة على صحة الإنسان، وخاصةً لمن عندهم أمراض أخرى، فضلاً عن تزييف وعي الناس بأوهام كاذبة.

       وكما تقول الحكمة "إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب"

لا تصدق كل ما تقرأ أو تسمع أو ترى، اعمل عقلك وتأكد من صحة المعلومة أو الخبر.

ويقول الشاعر

يموت الفتى من عثرة بلسانه ... وليس يموت المرءُ من عثرة الرِّجل

فعثرته بالقول تذهب رأسه ... وعثرته بالرِّجل تبرأ على مهل

       



إرسال تعليق

أحدث أقدم