صناعة الأمل
بقلم: د. زياد موسى عبد المعطي أحمد
يولد الانسان ومعه الأمل، يولد الانسان وهو ينبذ اليأس، فالأمل يروي الحياة، ويجعلها تنبت بالنجاح، واليأس يغتال الحياة
وتجعلها تساوي العدم، فعدم اليأس وتكرار المحاولة عند الفشل سلوك طبيعي مخلوق مع
الإنسان، واليأس والقتوت عند الفشل سلوك مرفوض، ولا يتفق مع الطبيعة الانسانية،
ومخالف للسنن الكونية، وتنهى عنه الشريعة الاسلامية.
فالإنسان يولد ومعه الأمل، ولا ييأس، فالطفل يتعلم الوقوف بالمحاولة
والتكرار، ويفشل مراراً وتكراراً،
ويقع مرات عديدة، ومع عدم اليأس وتكرار المحاولة ينجح، ويتعلم الطفل المشي، وينجح
في النهاية، ويستطيع المشي.
وعندما يبدأ الطفل تعلم الكلام يتلعثم، ويخطئ في النطق، وينطق الكلمات بأسلوب غير صحيح، وبالمحاولات العديدة وتصويب
الوالدين لنطق كلماته ينجح الطفل في نطق الكلمات بصورة صحيحة، ويتعلم الكلام
بطلاقة.
وعندما يكبر الطفل ويبدأ في تعلم الكتابة، نجد أن الطفل في البداية ليست لديه القدرة لكي يمسك القلم بطريقة
سليمة، ويبدأ أبويه أو معلمته في رياض الأطفال في الإمساك بيده لكي يكتب بطريقة
سليمة، ويبدأ تعلم الكتابة بالقلم الرصاص، ويكتب الطفل ويخطئ مرات عديدة، ويستعمل
الممحاة لكي يمحو أخطائه، ويعدل ما أخطأ فيه، ويكرر تصحيح أخطاءه، ولا ييأس حت
يتعلم الكتابة بطريقة صحيحة.
وفي تعلم اللغات الأجنبية أيضاً الكل يخطأ في البداية، في نطق أو كتابة
الكلمات، ولكن بالتكرار وإعادة
المحاولة نتقدم نحو التعلم، والإجادة، ومع عدم اليأس والتكرار نستطيع تعلم اللغات
الأجنبية.
وعدم اليأس والأمل في النجاح، والعزيمة والاصرار من صفات الأنبياء، ومن أبرز أمثلة عدم اليأس نوح عليه السلام الذي ظل يدعو قومه ألف
سنة إلا خمسين عاماً، يدعوهم ليلاً ونهاراً، ويدعوهم بكل السبل والأساليب لكي
يؤمنوا بالله “قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا. فَلَمْ
يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا. وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ
لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آَذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ
وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا" (نوح: 5 – 7)، ولم ييأس حتى
أخبره الله عز وجل أنه لن يؤمن من قومه إلا من قد آمن، وأمره الله أن يصنع سفينة،
لأن الله مغرق الكافرين، فظل يعمل في صنع السفينة وسط سخرية الكافرين منه، ولكنه
لم ييأس ولم تنل سخريتهم من عزيمته، ونجاه الله مع الأقلية المؤمنة من الغرق
"وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ
قَدْ آَمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ. وَاصْنَعِ الْفُلْكَ
بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ
مُغْرَقُونَ. وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ
قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ
مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ. فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ
يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ. حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا
وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ
وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آَمَنَ وَمَا آَمَنَ
مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ" (هود 36 – 39).
ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقدم لنا المثل والقدوة في عدم اليأس، فظل يدعو قريش قبل الهجرة ثلاثة عشر عاماً لم يؤمن معه إلا قليل،
وواجهته ظروف شديدة القسوة، وهاجر إلى المدينة، ولم يتركه مشركو مكة وحاربوه في
غزوات بدر وأحد، وبدد الله شملهم في عزوة الأحزاب، وبعد ذلك بدأ الانتشار السريع
للإسلام ودخول القبائل في الاسلام، وبعدها فتح مكة، ثم انتشار الاسلام في الجزيرة
العربية، وظل انتشار الاسلام يزيد بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومازال
وسوف يستمر انتشار الاسلام بفضل توفيق الله لرسوله وصحابته وتابعيهم بإحسان إلى
يوم الدين.
وعدم اليأس صفة العلماء والمخترعين، فعلى سبيل المثال فإن توماس أديسون المخترع الأمريكي العبقري الذي
قدم للبشرية العديد من الاختراعات التي غيرت شكل الحياة على الأرض، يذكر هذا
المخترع الشهير، أنه أخطأ 999 مرة في تجاربه التي أجراها لكي يخترع المصباح
الكهربائي، وأنه نجح في المرة الألف، وأنه تعلم من الأخطاء، وفي كل مرة يطور ويصحح
في تجاربه حتى حقق هدفه وتمكن من عمل اختراعه الذي أنار العالم.
والأمل في رحمة الله، وعدم اليأس والقنوط أمرنا الله به عز وجل في قرآنه لمن أسرف في
ذنوبه، أن يتوب إلى الله ويستغفره، فإن الله يغفر الذنوب جميعاً وهو الغفور الرحيم
"قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا
مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ
الْغَفُورُ الرَّحِيمُ" (الزمر: 53)
ولذلك يجب علينا ألا نيأس، وأن نتعلم من اخطائنا، فالحياة أمل، واليأس يساوي العدم، واليأس
ليس من طبيعة البشر، فيجب علينا أن نحاول ونحاول، ونطور أنفسنا ولا نيأس، ولنعلم أنه
من رحم الفشل يولد النجاح، وأن للنجاح بعد الفشل لذة كبيرة، فنقول لا لليأس نعم
للأمل.
المصدر: جريدة
الجمهورية -الجمعة 18من المحرم 1432 هـ -24 من ديسمبر 2010 م -صفحة رأي ورأي .
Tags:
تنمية بشرية
مقال رائع يا دكتور
ردحذفلذلك يقولون ان التعليم في الصغر كلنقش علي الحجر لانه لا مجال لليأس في السن المبكر
جزاكم الله خيراً أساذ رأفت
حذف