أمن الوطن

أمن الوطن

د. زياد موسى عبد المعطي

أمن الوطن ليس مقصوراً فقط على أمن حدودها الخارجية الذي تتكفل به قواتنا المسلحة، ففي الأيام الأخيرة ظهر مصطلح الأمن المائي، وإني أرى أن مصطلح أمن الوطن مصطلح يشمل نواحي كثيرة، فأرى أن هناك أيضاً مصطلح يجب أن نضيفه وهو مصطلح الأمن العلمي، وكذلك أرى أن الحرية والعدالة الاجتماعية، والعدالة الناجزة والقضاء على العشوائيات، والقضاء على البطالة، ومحاربة الفقر والقضاء على الأمية أراها مسألة أمن للوطن.

          أمن الوطن بالطبع يشمل في أولوياته وجود قوات مسلحة تحمي حدوده، وتحمي البلاد من هجوم أي عدو يفكر في الاعتداء على الوطن، قوات مسلحة تتدخل في الداخل عند الضرورة كما حدث خلال ثورة 25 يناير وتحمي المنشآت الحيوية، قوات مسلحة تتبع الوطن، ولا تتبع الحاكم، قوات مسلحة بها كفاءات من مختلف فئات الشعب، تنحاز لمصلحة الوطن، تكوم درع الوطن الواقي في الداخل والخارج، قوات مسلحة لا تعتمد على دولة واحدة في مجال التسليح، بل تنوع مصادر التسليح، وتعمل على زيادة إنتاجنا المحلي من السلاح إلى حين أن نكتفي ذاتياً في مجال السلاح.

          أمن الوطن يقتضي وجود سلطة تنفيذية تعمل لمصلحة الوطن، على رأس هذ السلطة رئيس للجمهورية يشعر بآلام المواطنين، رئيس جمهورية يتخذ حاشية صالحة تدله على الخير، يتخذ مستشارين من أهل الخبرة، والعلم والكفاءة، لا أهل الثقة، مستشارين يدلونه على الخير، ويرشدونه على الصواب لا يقولون له أنه حكيم الزمان والأوان والمكان وما يقوله هو الصواب على الدوام، وأن يكون رئيس الوزراء والوزراء والمحافظين من أهل الخبرة والعلم والدراية، وأن يشعروا بالمواطن ومشاكل الوطن الحقيقية، وأن ينزلوا إلى الشارع ليروا المشاكل على طبيعتها ولا يكتفوا فقط بالتقارير.

          أمن الوطن يحتاج لجهاز شرطة قوي، يحمي الوطن، ولا يحمي الحاكم فقط، جهاز شرطة يؤدي مهامه الموكلة له وفقاً للقانون، يقضي على بؤر البلطجة والإجرام، جهاز شرطة يحمي الجبهة الداخلية للوطن، يأخذ على يد المخالفين بقوة القانون.

          أمن الوطن يحتاج لسلطة تشريعية تراقب الحكومة، وتسن قوانين جديدة تعمل لصالح الوطن، قوانين ليست بها ثغرات، ولا عيوب، فقوة السلطة التشريعية ليست في عدد القوانين التي تصدرها بل في قوة هذه القوانين بمدى وملائمة هذه القوانين لمصلحة الوطن، وأن تستمر هذه القوانين لفترات طويلة.

          أمن الوطن يحتاج لسلطة قضائية مستقلة، وقضاة مستقلين لا يحكمهم إلا ضميرهم يراقبون الله، ولا يخشون في الله لومة لائم.

          أمن الوطن أراه يشمل جهات رقابية تعمل على اكتشاف الفساد حيث كان، وتقديم الفاسد للعدالة، فضحايا الفساد من عبارات غارقة، وعمارات انهارت على سكانها وأغذية فاسدة تقدر بالآلاف وربما يزيد عن ضحايا الحروب.

أمن الوطن لا بد أن يشتمل أمن علمي، وذلك بالاهتمام بالعلماء في شتى المجالات، فيكون هناك أمن في مجال تكنولوجيا المعلومات، أمن علمي يحفظ سرية المعلومات للوطن والأجهزة الحكومية المختلفة ضد قراصنة الانترنت، أمن علمي في مجال الزراعة، يحقق الاكتفاء الذاتي في الغذاء، وأمن علمي في مجال الصحة والدواء، وأمن علمي في مجالات الصناعة وغيرها يوفر ابتكارات تقود الوطن للتنمية والرخاء.

أمن الوطن يشمل الأمن الغذائي وهو توفير الغذاء اللازم للمواطنين سواء كان هذا الغذاء من انتاج الوطن أو يتم استيراده، والأمن الغذائي أراه لا يشمل الخبز فقط بل أراه يشمل غذاء صحي آمن لجميع المواطنين.

أمن الوطن يشتمل الأمن المائي وهو توفير احتياجات المواطنين من مياه الشرب، وتوفير الاحتياجات من مياه الري، وتوفير احتياجات المياه لعمليات التنمية الأخرى، وأرى أنه لا بد من الحفاظ على حصتنا التاريخية من مياه النيل، والتفكير في مشروعات أخرى تزيد حصتنا من المياه مثل مشروع نهر الكونغو، وكذلك الاتجاه لترشيد استهلاكنا من مياه الشرب، واتباع وسائل ري حديثة تقلل من استهلاك مياه الري، والاستفادة من المياه الجوفية في الزراعة وإقامة مجتمعات عمرانية جديدة والاتجاه لتحلية مياه البحر في المناطق الساحلية.

أمن الوطن يشمل وجود دبلوماسية فعالة تحقق مصالح الوطن في محيطنا العربي والافريقي، دبلوماسية تعتمد على المصالح المشتركة، تجعل لمصر دور ريادي في المنطقة والعالم.

أمن الوطن لا بد أن يشمل حرية للتعبير عن الرأي وذلك حتى لا يؤدي الكبت إلى بركان يعصف بالوطن، فالحرية حق من حقوق المواطنين المفترض ألا ينزعه حاكم أو نظام حكم، وهذه الحرية لا بد أن تكون حرية لها حدود، فحريتك تنتهي عندما تصل إلى حدود حرية الآخرين، حرية لا تتجاوز الحدود بالسب أو القذف، أو تدمير المنشآت.

أمن الوطن يشمل القضاء عل البطالة وتوفير الوظائف سواء أكانت الوظائف من الحكومة والقطاع العام، أو القطاع الخاص أو منظمات المجتمع المدني، فالقضاء على البطالة أهم وسائل مكافحة الفقر، فالعاطل الذي لا يجد فرصة عمل يصبح قنبلة موقوتة تنفجر وتضر وتدمر المجتمع.

أمن الوطن لابد أن يشمل القضاء على ظاهرة أطفال الشوارع، القضاء عليها بتجفيف منابعها، واحتواء اطفال الشوارع الحاليين، تجفيف منابع زيادة أطفال الشوارع بزيادة الوعي الديني، والعمل على الحد من حالات العلاقات الغير الشرعية التي لا تتم بزواج شرعي وتوضيح خطورة الزواج العرفي، وتيسير الزواج، وتيسير حصول الشباب على شقق للزواج، وكذلك العمل على احتواء أطفال الشوارع في مؤسسات تعلمهم وتثقفهم، وتعلمهم حرف مفيدة وتوفير فرص عمل ومساكن مناسبة لهم، فظاهرة أطفال الشوارع ظاهرة تهدد أمن الوطن، حيث يستغلهم القلة التي تريد الفساد في الوطن في الأعمال التخريبية، وكذلك أعمال الرذيلة، فأرى أنهم ضحية، وبإهمالهم صاروا جناة.

أمن الوطن من أركانه العدالة الاجتماعية، التي أراها تشمل أجور عادلة وتكافؤ فرص،  فأرى أن من حقق المواطنين أن يجدوا أجور عادلة تكفي أقواتهم وأقوات أسرهم، ويدخروا منها لمستقبلهم، فليس من المنطقي أن يعمل المواطن في وظيفتين أو ثلاث ليجد بالكاد قوت يومه وقوت أسرته، وأرى أن تكافئ الفرص أمن للوطن، فعندما يجد الشاب أن اجتهاده في المراحل التعليم المختلفة ليس له نتيجة للالتحاق بالعمل في الوظائف المرموقة وأن هذه الوظائف محجوزة لمن لهم واسطة، يصاب الشاب بالإحباط، وليست ظاهرة ضحايا مراكب الموت - في البحر المتوسط للشباب المصري المهاجر لدول أوربا هجرة غير شرعية عبر البحر المتوسط - علينا ببعيد، فضحايا وقتلى هذه المراكب يبلغ المئات في السنوات العشر الأخيرة.

نرجو أن يجد المواطن في وطننا الغالي الأمن بجميع أنواع، وأن تنعم مصر بالأمن والاستقرار الذي يقود للتنمية والتقدم والازدهار

 الكلمات الدالة: أمن، وطن، غذاء، سلاح، دواء، مياه، النيل، قضاء، شرطة، بطالة، بلطجة، عدالة اجتماعية، علاقات خارجية

 المصدر: جريدة الأهرام -بريد الأهرام - الاثنين 22 من شعبان 1434 هــ 1 يوليو 2013 السنة 137 العدد 46228

أمن الوطن




إرسال تعليق

أحدث أقدم