إن مع العسر يسرا
بقلم: د. زياد موسي عبد
المعطي
من السنن الكونية عبر تاريخ البشرية أن
المحن والابتلاءات تأتي بعدها المنح الإلهية والعطايا الربانية. وأن بعد العسر يأتي
اليسر. وهذه السنن الكونية نجدها
واضحة بصورة جلية منذ فجر تاريخ البشرية حتى أوقاتنا الحالية، وتستمر حتى قيام
الساعة التي علمها عند الله رب البرية، ونستعرض منها الأمثلة التالية:
آدم عليه السلام: قبل خلق آدم عليه السلام كان في علم الله أن آدم هو خليفة الله في
أرضه. وأن آدم وذريته سوف يسكنون ويعمرون الأرض. فكانت محنة خروج آدم وحواء من
الجنة منحة إلهية لكي يتعلم آدم وذريته أن المعصية جزاؤها الطرد من الجنة. ولكي
نتعلم جميعاً أن الشيطان لنا عدو فلا نتبع خطواته وإغواءاه فنطرد من رحمة الله.
وأن الله يقبل توبة التائبين. كما قبلها من آدم وحواء. وأن المتكبرين والمتغطرسين
يكونون من إخوان الشياطين مع إبليس اللعين.
قابيل وهابيل: ومحنة قتل قابيل لهابيل تعلمت منها البشرية كيفية دفن الموتى. وهذا
الدرس تعلمته البشرية من غراب. وتعلمت البشرية أن الطمع والأنانية سبب كل بلية
للبشرية.
إبراهيم عليه السلام: وفي قصة سيدنا إبراهيم الخليل نجد المنح تأتي بعد المحن، فنجد
محنة الإلقاء في النار من الكفار تتبعها منحة أن قال الله للنار "كوني بردا
وسلاما علي إبراهيم". ثم الجائزة الإلهية باصطفائه للنبوة. ثم كانت محنة عدم
الإنجاب بعد أن بلغ من العمر عتيا. وكانت زوجته السيدة سارة عاقراً. أتبعتها
الجائزة الربانية. فوهبه الله اسماعيل واسحاق. بل جعله أبو الانبياء. وبعد محنة
تركه زوجته هاجر وولده اسماعيل في صحراء جرداء. إذا بالمنحة الإلهية باستجابة
الدعاء. وتفجر بئر زمزم. وجعل الله مكة بلدا آمنا. وبعد محنة تنفيذ الأمر الإلهي بذبح
ولده اسماعيل إذا بمنحة الفداء العظيم الذي يقتدي به المسلمون إلى يوم الدين. وإذا
بالمنحة الإلهية الكبرى أن يرفع إبراهيم القواعد من البيت واسماعيل. ويؤذن إبراهيم
بالناس في الحج فيأتوا رجالا من كل فج عميق استجابة لأذان إبراهيم عليه السلام.
يوسف عليه السلام: وفي حياة سيدنا يوسف نجد العطايا الربانية بعد الابتلاءات الإلهية.
فبعد ابتلاء كيد الإخوة والوقوع في الأسر والرق نجد العطايا الربانية بالتربية في
بيت عزيز مصر الذي يتخذه ولداً. فيتعلم أصول الحكم. وبعد ابتلاء السجن تكون الهبة
الإلهية بأن يكون يوسف عليه السلام عزيز مصر "رئيس الوزراء". ويجمعه
الله مع أبيه وأخوته.
موسى عليه السلام: وفي حياة
سيدنا موسي نجد أنه بعد المعاناة والاختبار الإلهي يأتي الخير العظيم. فبعد تنفيذ
الأمر الإلهي من أم موسي بإلقائه في اليم. إذا بالمنحة أن موسي يتربى في بيت فرعون
الذي يتخذه ولدا. وبعد محنة الهروب إلى أرض مدين إذا الهبة الربانية بالزواج من
ابنة الرجل الصالح. ثم الاصطفاء والاختيار للنبوة والرسالة في طريق عودته إلى مصر.
محمد صلى الله عليه وسلم: وفي سيرة الحبيب المصطفي سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم
بالابتلاءات والاختبارات تليها المنح والعطايا الربانية. واذكر هنا القليل منها.
فابتلاء اليُتم كان فيه عطاء رباني وهو التربية الإلهية. فكما يقول الحبيب المصطفي
"أدبني ربي فأحسن تأديبي" وابتلاء إيذاء الرسول من أهل الطائف تبعه
التكريم من الله برحلة الإسراء والمعراج. واختبار اضطهاد أهل مكة للرسول. والهجرة
إلى المدينة كان فيه منحة إلهية ببداية تكوين الدولة الإسلامية.
وابتلاء غزوة الأحزاب "إذ بلغت القلوب الحناجر. وظنوا
بالله الظنون" تبعه دخول قبائل عربية في الإسلام. وفتح مكة. وغير ذلك كثير.
ومن التاريخ الإسلامي: ونأخذ من التاريخ الإسلامي فترة الضعف التي مرت بالأمة الإسلامية. وسقوط القدس في يد الغزاة الأوروبيين. أعقب ذلك الهدية الربانية وهي
ظهور البطل "صلاح الدين الأيوبي" الذي حرر الأقصى الأسير وصنع لنا
تاريخا نفتخر به ونعتز بأن أنجبت لنا الأمة مثله.
ومن تاريخ مصر الحديث: ونأخذ من تاريخ مصر الحديث نكسة 5 يوليو 1967 التي خلفت جراحا
أليمة في قلوب الأمة العربية. تبعها بناء قواتنا المسلحة من جديد وبناء جيش قوي.
وبناء قوات جوية. وقوات دفاع جوي. وتحقيق نصر السادس من أكتوبر "الذي نحتفل به ونعتبره عيداً قومياً". وتحطيم أسطورة الجيش
الذي لا يقهر.
ومن حياة العلماء: ونأخذ من حياة العلماء العالميين الذين لهم فضل في التقدم
العلمي في العالم أجمع. حياة العالم "توماس اديسون" الذي اخترع العديد
من الاختراعات. منها المصباح الكهربي. وجهاز الأشعة الطبية. حيث كان هذا العالم
العبقري ضعيف السمع. لا يسمع إلا بواسطة سماعة صناعية. وكان فقيرا. في طفولته.
فعمل بائعا للجرائد. وكانت أمه تزرع فيه حب العلم. وتعطيه كتبا في الفيزياء فما
كان منه إلا أن أسس لنفسه معملا صغيرا في إحدى عربات القطار القديمة. وكان يجلس
فيها في فترات الراحة التي بناها. ويخلع سماعته. ويقوم في عربة القطار هذه
بتجاربه. فكان ضعف السمع نعمة إلهية ل "توماس" حيث كان لا يشعر
بأية ضوضاء أو ضجيج من صوت القطارات بعد إزالة السماعات الصناعية. فضعف السمع ساعد
في صنع هذا العبقري الفذ.
ومثال آخر: وأضرب مثلاً آخر لأحد العلماء البارزين في مصر. حيث قرأت حوارا
أجري معه في إحدى الجرائد حيث حصل على مجموع في الثانوية العامة أقل بحوالي 20
درجة من المجموع اللازم لدخول كلية الطب التي كان يحلم بدخولها. فدخل كلية
الزراعة. وتفوق فيها وعين معيدا. وتدرج في الوظائف حتى صار عميدا لكلية الزراعة
بالفيوم. ثم صار رئيسا لمركز البحوث الزراعية. ثم محافظا للفيوم ثم مستشارا لوزير
الزراعة فكانت محنة الحصول على درجات أقل مما كان يتمني في الثانوية منحة إلهية
غيرت مجري حياته فأصبح نجما في المجتمع. بدلا من ان يكون طبيبا عاديا.
مقالة منشورة في جريدة الجمهورية المصرية: الجمعة 10 من المحرم 1429هـ -18 من
يناير 2008م – العدد 19744– رأي ورأي -صـ 15.
Tags:
الدين والحياة