مصر الرائدة
د. زياد موسى عبد المعطي
مصر عبر تاريخها كبيرة ولها
دور قيادي في المنطقة والعالم، منذ فجر التاريخ إلى الآن، وعندما تتوقع مصر على
نفسها وتفقد دورها الإقليمي والدولي، تخسر مصر ويخسر العالم.
مصر صاحبة أقدم وأول حضارات
العالم، تاريخها وحضاراتها في عصور الفراعنة أذهل وما زال يذهل العالم،
آثارها في هذه الأزمنة لم يكتشف أسراره حتى الآن، مصر العملاقة في عصور الفراعنة،
مصر الرائدة منذ فجر التاريخ.
مصر في عهد الرومان كانت مخازن الحبوب
للإمبراطورية الرومانية، إنتاجها الوفير من الحبوب يطعم شعوب الإمبراطورية
الرومانية.
مصر في عهد النبي يوسف عليه
السلام حماها الله ورعاها بفضل وبركة وعلم نبي الله يوسف من المجاعة، فكان
يأتي إليها شعوب البلاد المجاورة ليأخذوا منها طعامهم وأقواتهم، وهذا ما أخبرنا به
الله عز وجل في قرآنه أن إخوة يوسف عليه السلام جاءوا إلى مصر من الشام ليأخذوا
أقواتهم وأقوات أهلهم.
مصر بعد الفتح الإسلامي مركز لانتشار الإسلام في
إفريقيا، واتخذ منها الخلفاء جنداً كثيفاً ليدافعوا عن الإسلام ويحموا الديار الإسلامية،
بل كانت مصر هي مصدر الإغاثة للبلاد الإسلامية إذا أجدبت الأرض وجف الزرع، فهذا
عمر بن الخطاب أمير المؤمنين يطلب من عمرو بن العاص والي مصر أن يرسل إليه من خراج
مصر لإغاثة المسلمين في الجزيرة العربية، فيرسل له عمرو بن العاص قافلة أولها في
المدينة وآخرها في مصر.
مصر في عهد الفاطميين أسست الجامع الأزهر الذي
صار منبر للدعوة الإسلامية، ونشر اللغة العربية وعلومها في العالم العربي وإفريقيا
والعالم كله.
مصر في عهد صلاح الدين الأيوبي حررت المسجد الأقصى
الأسير في بلاد الشام من أسر الصلبيين، ودافع من بعده خلفاؤه عن مصر والعالم
العربي ضد هجمات الصلبيين.
مصر في عهد سيف الدين قطز قهرت جيوش المغول، وأوقفت
زحفهم الذي يدمر الحضارات ويأتي على الأخضر واليابس.
مصر في العصر الحديث من الدول المؤسسة لمنظمة
الأمم المتحدة، مصر أسست جامعة الدول العربية وهي دولة المقر، مصر من الدول
المؤسسة لمنظمة دول عدم الانحياز.
مصر كانت رائدة التحرر من
الاستعمار الأوربي في خمسينات وستينات القرن الماضي، وساعدت الكثير
من دول العالم العربي وإفريقيا في كفاحهم لطرد المستعمرين.
مصر إذا تركت دورها الريادي
وتركت دورها في محيطها العربي والافريقي وتقزم دورها تخسر كثيراً، وهذا ما نعاني
منه الآن من تهميش دور مصر في عهد النظام السابق، النظام السابق الذي أهمل دور مصر
في إفريقيا وكانت النتيجة تهديد من دول منبع النيل لحصة مصر في مياه النيل،
وانقسام السودان لدولتين، وحصار لعزة بتعليمات من دولة إسرائيل، وفقدان دور مصر
المؤثر في المنطقة.
مصر قلب الأمة العربية
والاسلامية النابض، ويأمرنا ديننا الحنيف بالاهتمام بأمر المسلمين
أينما كانوا، فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم "من لم يهتم بأمر المسلمين
فليس منهم"، ويقول "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد
إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى"، مصر عليها الاهتمام
بسوريا، والاهتمام بفلسطين المحتلة والاهتمام بالمسجد الأقصى الأسير، مصر عليها
الاهتمام بدول العالم الإسلامي، وتوطيد علاقتنا بدول العالم الإسلامي في الجانب
الاقتصادي وتعزيز التجارة البينية بين مص ودول العالم العربي والعالم الإسلامي
كله.
من ناحية المصالح والناحية
السياسية البحتة الاهتمام بدول الجوار يمثل جوانب أمنية واقتصادية لمصر، فالاهتمام
بأهالي غزة وفلسطين بصفة عامة يمثل حماية لمصر من أي هجوم إسرائيلي محتمل،
والاهتمام بسوريا يمثل جانب أمني مهم فاستقرار سوريا يمثل استقرار للمنطقة العربية
ونقطة أمن وأمان، والاهتمام بالتجارة البينية مع دول الجوار فرصة أكبر لصادراتنا
لانخفاض أسعار النقل ومن ثم تكون الأسعار مناسبة أكثر لهذه الدول، وكذلك تكون
أسعار الواردات مناسبة لانخفاض أسعار النقل.
مصر خلقها الله لتكون رائدة
في المنطقة وفي العالم، مصر شعبها في رباط إلى يوم القيامة.
وكما قال حافظ إبراهيم في قصيدة مصر تتحدث
عن نفسها:
وقف
الخلق ينظرون جميعا كيف أبنى قواعد المجد وحدي
وبناة
الأهرام في سالف الدهر كفوني الكلام عند التحدي
أنا
تاج العلاء في مفرق الشرق ودراته فرائد عقدي
مصر
خلفها الله لتكون رائدة ومؤثرة، لا لكي تكون تابعة لقوة دولية مهما كانت، وتمر مصر
بفترات ضعف تمثل مرحلة مرض سرعان ما تشفى منه البلاد، وتعود أصح وأقوى مما كانت.