حلول علمية.. لمشكلة القمامة وقش الأرز
بقلم: د. زياد موسي عبد المعطي
قش الأرز والقمامة كلاهما ثروة كبيرة لم نستغلها بالصورة المثلي. وكلاهما يتم التخلص منه بالحرق فينتج عنه سحابة سوداء. أحداهما سحابة سوداء موسمية والأخرى سحابة سوداء يومية. والسحابة السوداء الموسمية هي تلك الناتجة عن حرق قش الأرز. وتلك السحابة هي الأكثر من الأخرى شهرة لأن كمية القش المنتجة من مصر يتم حرقها في فترة وجيزة فينتج السحابة السوداء التي تغطي سماء القاهرة الكبرى والعديد من المحافظات وبالذات محافظات الدلتا. وهذه الظاهرة تطل علينا للعام العاشر على التوالي. أما السحابة السوداء اليومية فهي تلك الناتجة عن حرق القمامة وهي أقل شهرة لأن تأثيرها محدود على المناطق المجاورة لمحارق القمامة. حيث ان بعض محارق القمامة تكون وسط المناطق السكنية. مثل محرق القمامة الموجود في منطقة سندوب في مدخل مدينة المنصورة وغيره في كثير من المحافظات.
وقش الأرز والقمامة ثروة ضخمة.
فكمية القمامة المنتجة سنوياً تقدر بما يقرب 20 مليون
طن. وكمية قش الأرز تقدر من 6 إلى 8 ملايين طن سنوياً. وهذه الثروة
من قش الأرز والقمامة تعتبر منجماً من الخيرات للوطن تستطيع أن تقوم
عليه العديد من الصناعات. وتعتبر هذه الثروة مصدر طاقة نستطيع أن
ننتج به طاقة صديقة للبيئة.
قش الأرز من الممكن أن تقوم عليه في مصر العديد من
الصناعات. فالجامعات والمراكز البحثية في مصر أنتجت العديد من الأبحاث
القابلة للتطبيق. فمثلاً يستخدم قش الأرز في انتاج البيوجاز الذي يستخدم
في توليد الكهرباء. ويستخدم في صناعات الزجاج والورق والكرتون.
وفي صناعة خرسانة ذات صفات خاصة. وفي صناعة الطوب.
وفي صناعة الأسمدة الزراعية وعلف الحيوان وغيرها من المنتجات النافعة.
وكذلك يستخدم كبيئة مناسبة لزراعة عيش الغراب.
أما عن القمامة فيتم تدوير المخلفات الصلبة مثل
الحديد والنحاس والبلاستيك والورق والزجاج وغيرها لإنتاج منتجات رخيصة الثمن ذات
جودة أقل من المنتجات الأصلية. والكمية المنتجة من هذه المخلفات كمية ضخمة تحتاج
للعديد من المصانع. التي تستوعب آلاف الأيدي العاملة. أما المخلفات العضوية التي
كانت تأكلها الخنازير فهي ثروة ضخمة تستخدم لإنتاج البيوجاز والأسمدة
العضوية.
وحل هاتين المشكلتين لن يتم بالقوانين والغرامات
والحبس. بل سوف يتم وفق منظومة متكاملة. تبدأ باستخدام هذه الثروة في
صناعات توفر آلاف فرص العمل. وتنتج منتجات مفيدة تساهم في تحقيق النهضة. فيجب
إصدار تشريعات تحفز وتشجع المستثمرين على اقامة صناعات لاستخدام هذه الثروات في
بلادنا. وأن يتم تدريب العاملين في هذه الصناعات تدريباً جيداً.
بالنسبة لقش الأرز يجب إعداد عدد مناسب من المكابس يكفي لكبس كل الكمية
المنتجة من قش الأرز خلال الفترة الوجيزة التي يتم فيها حصاد المحصول.
ويتم كذلك إعداد مخازن مناسبة لتخزين القش حتى يمكن الاستفادة المثلي منه ولا
نفاجأ بحرائق لهذا المخزون. وكذلك لكي لا يصيبه العفن والتلف نتيجة تعرضه لمياه الأمطار. وكذلك يجب
تدريب المتعاملين مع المزارعين علي حسن المعاملة فبعض ممن يقومون بالكبس قد يسيئون
معاملة المزارعين ولا يقومون بكبس القش. ويشترطون أخذ القش ذي الجودة العالية فقط.
مما لا يجد الفلاح معه بدا من حرق القش.
وبالنسبة للقمامة يمكن أن يكون
جامعو القمامة تابعين لمصانع تدوير القمامة ولا يأخذون
أجراً من الأهالي. وإنما أجرهم يكون من أصحاب المصانع. ومثل أوروبا توزع المصانع
أكياساً مجانية بألوان مختلفة على الأهالي. فيكون هناك لون مميز لأكياس المخلفات
العضوية مثل الورق وبقايا الطعام. وأكياساً بألوان مختلفة لكل نوع من المخلفات
الأخرى حتى يسهل تجميعها وتدويرها بأقل مجهود في عملية الفرز. فكيس مخلفات الزجاج
يختلف عن كيس مخلفات الحديد عن كيس مخلفات البلاستيك وهكذا. ويجب الاستعانة بخبرات
العلماء المصريين في حل هذه المشكلة. ويجب أن ننقل خبرات دول العالم المتقدمة في
هذا المجال.
فعلي سبيل المثال انتاج الكهرباء
من القمامة ليس موضوعاً جديداً في العالم. ففي الولايات المتحدة
توجد تكنولوجيا توليد الكهرباء من القمامة منذ السبعينيات. وتولد أوروبا
أكبر نسبة من الغاز الحيوي أو الميثان المستخلص من النفايات أو مخلفات الحيوانات
وغيرها من المواد العضوية حيث تمثل ألمانيا وحدها 70 في المائة من السوق العالمية.
وفي بريطانيا فإن الغاز المستخرج من مواقع النفايات يمثل ربع الطاقة المتجددة
المنتجة بالبلاد ويولد كهرباء تكفي نحو 900 ألف منزل. وفي الأردن قامت شركة الغاز
الحيوي الأردنية التي استغلت غاز الميثان المنبعث من النفايات بمدينة الرصيفة
"15 كم شمال عمان" لتوليد الطاقة الكهربائية. وبيعها للمواطنين. وهذه
الشركة بدأت أعمالها عام 1998 بقدرة كهربائية تشغيلية 1 ميجاوات في الساعة» أي ما يكفي
لتشغيل 1500 مشترك ووحدة سكنية. وتنتج 5.3 ميجاوات في الساعة. واستطاعت تحقيق
عائد ربح سنوي وصل إلى 70 ألف دينار أردني عام 2004. كما تخطط لرفع الطاقة
الإنتاجية.
ومن الطريف والعجيب أن هناك من يقوم
بتصدير القمامة المصرية إلى الصين. وأن تستخدم
هذه القمامة في تصنيع الجاكتات. نعم هناك من
يصدر القمامة التي تم تجميعها من منطقة منشية ناصر بمدينة القاهرة إلى
شركات دولية للغزل. وإعادة استخدام القمامة في الصين. وهذا ما ذكره
تقرير نشرته مجلة دير شبيجل الألمانية ان الصين تستفيد
من القمامة المصرية في تصنيع الجاكتات. لأن الشركات الصينية تستفيد من
المادة البلاستيكية والخيوط البولي استر. وكذلك تستخدمها هذه الشركات في انتاج
الملابس الرياضية. فالصين استغلت كل قمامتها واستوردت قمامة من مصر. أي اننا عجزنا
عن الاستفادة من قمامة ثمانين مليون مواطن. والصين استفادت من قمامة واحد ونصف
مليار مواطن. وتطلب المزيد تستورده لتستخدمه كمواد خام في صناعاتها.
لا ننكر ان هناك بعض الجهود للتغلب على هذه المشكلة
في مصر. لكنها جهود غير كافية ولابد من تضافر جميع الجهود من أجل الاستفادة
القصوى من هذه الثروة التي تمثل منجم خيرات لمصرنا الحبيبة. ويجب الاسراع بالاستفادة
من هذه الثروة في جميع مدن وقري مصر. وليس في القاهرة الكبرى وحدها.
المصدر: مقالة منشورة في جريدة الجمهورية المصرية - الاثنين 21 من ذي القعدة 1430هـ -9 من نوفمبر 2009م – العدد 20405 – صـ 13.