الأم تصنع عبقرية الأبناء ومجد الأوطان

في أي زمان وأي مكان يحتاج بناء أمجاد الأوطان إلى منظومة متكاملة، تتكامل فيها أدوار الأفراد والمؤسسات من أجل التقدم والرقي، وإني أركز من خلال هذه السطو على دور الأم في تربية أبناءها ودفعهم للنبوغ والتفوق والعبقرية.

الأم تصنع عبقرية الأبناء ومجد الأوطان

د. زياد موسى عبد المعطي أحمد

في أي زمان وأي مكان يحتاج بناء أمجاد الأوطان إلى منظومة متكاملة، تتكامل فيها أدوار الأفراد والمؤسسات من أجل التقدم والرقي، وإني أركز من خلال هذه السطو على دور الأم في تربية أبناءها ودفعهم للنبوغ والتفوق والعبقرية.

إذا  قرأنا صفحات التاريخ العطرة من فجر التاريخ حتى أوقاتنا الحالية نجد أمهات أهدوا البشرية أبناء عظماء غيروا التاريخ وبنوا أمجاد، فعظمة الأوطان في كتب التاريخ أراها من وجهة نظري يتم وضع اساسها من الأم التي ترضع أبنائها لبن الطموح، وتغذيهم بغداء العبقرية، وتربيهم على مبادئ النبوغ والمجد، فأحاول من خلال هذا المقال أن أعطي أمثلة لأمهات سجلهن التاريخ في صفحات كتبت بالذهب كانت كل منهن نعم كالبستاني الماهر الذي قام برعاية الأزهار والأشجار فمنحن البشرية أبناء يمثلون رياحين عطرة وأشجار وارفة مثمرة، وكان أبنائهن شجر طيب أصله ثابت وفروعهم في السماء.

السيدة هاجر أم نبي الله إسماعيل، المصرية الأصل، أم صالحة اجتباها الله، واختارها لتكون زوجة أبو الأنبياء خليل الله إبراهيم، عندما تركها إبراهيم في مكة عندما كانت صحراء جرداء لا زرع فيها ولا ماء، قالت لنبي الله إبراهيم أالله أمرك بذلك، فعندما علمت من زوجها أنه أمر الله قالت في يقين إذن لن يضيعنا الله، فقدمت للأمهات نموذج للإيمان واليقين بالله، وتشريفاً للأم الجليلة هاجر خلد الله محاولتها للبحث عن ماء في صحراء مكة الجرداء بالطواف بين الصفا والمروة سبع مرات بأن جعلها الله من مناسك الحج، وكرمها الله وولدها بالماء المعجزة الذي تفجر من بين قدمي ولدها وصار البئر المعجزة الخالد إلى يوم القيامة بئر زمزم، وقامت هاجر وحدها بتربية نبي الله إسماعيل، ربته على الإيمان بالله، فقدم إسماعيل عليه السلام وهو لايزال صبي أروع النماذج على الإيمان بالله وأطاع الله وأطاع أباه، في أمر الذبح، وكانت الفداء بالذبح العظيم، الذي خلده الله سنة في عيد الأضحى إلى يوم الدين، وشرف الله إسماعيل بأن رفع قواعد البيت الحرام مع أبيه إبراهيم، وأذن للناس بالحج، فاستجاب الناس لدعوة أبو الأنبياء بالحج إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فسلام على نبي الله إسماعيل، وعلى أمه هاجر.

وأم السيدة مريم أم صالحة قالت "ربي إني نذرت لك ما في بطني محررا" فتقبل منها الله، فأنجبت السيدة مريم الطاهرة، فأنبتها الله نباتاً حسناً، واصطفاها الله وطهرها واصطفاها على نساء العالمين، وكانت الأم المعجزة التي أنجبت بغير أب السيد المسيح عيسى عليه السلام، فسلام على نبي الله عيسى، وسلام على أمه مريم، وسلام على جدة نبي الله عيسى أم مريم.

ومن تاريخنا الإسلامي الجميل نقلب صفحاته الناصعة البراقة ، فنجد في صفحات من أجمل صفحاته قصة بنت بائعة اللبن التي رفضت أن تغش اللبن بالماء، واختارها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب لتكون زوجة لأحد أبناءه، لأنه يرى من صلاحها ومن شخصيها أنها سوف تنجب عظماء، فتزوجها ابنه عاصم، فكانت أم عظيمة، أنجبت بنت عظيمة، فكانت بنت بائعة اللبن هي أم عمر بن عبد العزيز، هي من أنجبت وربت من ملأ الأرض عدلاً أمير المؤمنين عمر بن العزيز، وجعلته يقتدي بجده عمر بن الخطاب، فهذا عمر بن عبد العزيز الذي عندما نطالع قصته العطرة،  فكأننا نقرأ أحد الأساطير، فما أروع جدته وأمه فهما من أهدتا للبشرية هذا النموذج الرائع للعدل والصلاح والإيمان.

وعندما نطالع صفحات تاريخ العلماء الغربيين في العصر الحديث نجد صورة مبهرة لأم غيرت وجه العالم، بل أنارت العالم، وأهدت العالم عبقرية علمية غيرت وجه الأرض، أم العالم الأمريكي توماس أديسون، الذي تعثر في بداية تعليمه، وكان أبوه قاسي القلب ضربه على أذنيه فأفقده السمع، وأخرجه من المدرسة، وجعله يعمل بائعاً للجرائد، ولكن أمه غيرت حياته، فعلمت ابنها القراءة والكتابة وأتت له بكتب في الفيزياء، وأتت له بأجهزة قديمة يقوم بفكها وتركيبها، وزرعت فيه طموح العلم والاختراعات، فكان هذا العالم الذي أهدى البشرية العديد من الاختراعات التي غيرت الحياة على الأرض وابرزها المصباح الكهربائي، وجهاز الأشعة، وغير ذلك الكثير.

وهذا نابليون بونابرت الذي يعترف بفضل أمه عليه، وأنها من أسست شخصيته، وكان من أقوال نابليون بونابرت "إن الأم تهز مهد طفلها بيمينها، وتهز عرش العالم بشمالها"، أم زرعت الطموح لهذه القيادة التاريخية التي غيرت تاريخ فرنسا الحديث.

وصدق الشاعر الراحل حافظ إبراهيم:

الأم مـــدرســـة إذا أعــددتــهــا     أعـددت شـعباً طـيب الأعـراق

الأم روض إن تــعـهـده الـحـيـا     بــالــري أورق أيــمــاً إيـــراق

الأم أســتــاذ الأســاتـذة الأُلـــى      شـغـلت مـآثـرهم مــدى الآفـاق

فالأم هي الأستاذة الأولى لأبنائها، بل هي مدرسة بأكملها، فهي المدرسة الأولى التي يتعلم منها أبنائها الأخلاق والطموح وفن صناعة المجد، فالأم هي التي تصنع عبقرية أبنائها.

ولقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "الجنة تحت أقدام الأمهات" أي أن طاعة والبر بالأمهات هو الطريق إلى رضا الله ودخول الجنة في الآخرة إن شاء الله، وإني أرى أن بمقدور الأمهات في الدنيا أن يجعلوا في الدنيا تحت أقدامهم جنات بحسن تربية أبنائهم، ورعايتهم، وغرس الأخلاق الحميدة في نفوس الأبناء، وتعليمهم الدين الصحيح، وتنمية مواهب أبنائهن، ورعاية هذه المواهب، فإني أرى أن يمهن الأبناء ما يحبون ويبدعون فيه لا ما يريده الآباء والأمهات لهم، فينتج لنا في أوطاننا الموهوبين الأفذاذ في شتى المجالات يحققون التقدم لأوطاننا، والتقدم والإزدهار لأمتنا.

فالأم هي المحطة الأولى التي ينطلق منها ركب وقطار الحضارة، بل الأم منها ينطلق صاروخ الأمل في مستقبل أفضل للأمة يأخذنا إلى أعلى الأفاق من أحلام التقدم والرقي.

 المصدر: مجلة الوعي الإسلامي الكويتية: محرم 1431 هـ -يناير 2010 م -العدد 533 -صـ 72.

إرسال تعليق

أحدث أقدم