الآباء والأبناء … من يٌعَلِّم ومن يتعلم

الآباء والأبناء … من يٌعَلِّم ومن يتعلم

بقلم: د. زياد موسى عبد المعطي

الطبيعي أن من يُعَلِّم الآباء، ومن يتعلم الأبناء، ومع ذلك الآباء لابد أن يتعلموا من الأبناء، ويجب أن يتعلم الآباء من مصادر مختلفة لكي يعلموا الأبناء، الأبناء الصغار هم دافع لكي يتعلم الآباء، وفي حالة إذا كان عند الأبناء عندهم علم في نقطة أو نقاط معينة أكثر من الآباء فلا عيب أن يتعلم الآباء من أبنائهم وهذا ما نتعلمه من القرآن الكريم.

الأبناء دافع لكي يتعلم الآباء مثل مذاكرة أحد الوالدين (غالبًا الأم) مع الأولاد في مراحل التعليم الأولى، أو يسأل الطفل الصغير عن أشياء تكنولوجية أو عن معلومات لا يعلمها الآباء، عندها يجب أن يبحث أو يسأل الآباء عن هذه المعلومات لكي يجيبوا الأبناء، وكذلك حتى لو سأل الأبناء عن معلومات يعلمها الآباء يجب عندها أن يتعلم الآباء كيفية تبسيط المعلومة لكي يستطيع الأبناء أن يفهموا هذه المعلومة، والأمر الآن أصبح سهلًا باستخدام الإنترنت من خلال مصادر المعلومات الموثوق فيها.

الآباء لابد أن يتعلموا كيف يقومون بتربية الأبناء، ويتعلموا كيف يتفقوا على تربة أبنائهم تربية حسنة، فتعليم الأبناء مسؤولية سوف يحاسبنا عليها الله سبحانه وتعالى.

الأبناء سبب لتهذيب سلوك الآباء، لأن الأبناء يقلدون الآباء، والآباء هم القدوة التي يقلدها الأبناء، كي يستطيع الآباء تعليم الأبناء الالتزام بتعاليم الدين وتعليمهم الأخلاق والمعاملات لابد أن يطبق الآباء ذلك عمليًا أولاً، حيث يقول الله سبحانه وتعالى "أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ ۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ" (البقرة: 44)، وفي هذا المعنى نجد درر من الشعر، حيث يقول الشاعر:

يا أيها الرجل المعلم غيره      

                      هلا لنفسك كان ذا التعليم

تصف الدواء لذي السقام وذي الضنا    

                            كي ما يصح به وأنت سقيم

ابدأ بنفسك فانهها عن غيها

                  فإذا انتهت عنه فأنت حكيم

فهناك يقبل إن وعظت ويقتدي       

                   بالقول منك وينفع التعليم

لا تنه عن خلق وتأتى مثله     

                 عار عليك إذا فعلت عظيم

على الآباء أن يعلموا أن الأبناء والبنات يقومون بتقليد ما يرونه ويسمعونه، فإذا فعل الآباء فعل غير جيد ووجد أبناءهم يقلدوهم فلا يلومون إلا أنفسهم، فمثلاً إذا كان الأب يدخن ووجد ابنه يدخن فلا يلومن الأب إلا نفسه، فابنه قد قام بتقليده، وفي هذا المعنى هناك أبياتاً من الشعر هي درر من الجواهر النفيس ألهم الله شاعراً بها فأنشد يقول:

مشى الطاووس يوما باختيال     

                     فقلد شكل مشيته بنوه

فقال علام تختالون؟         

                    قالوا بدأت به ونحن مقلدوه

فخالف سيرك المعوج واعدل       

                   فإنا إن عدلت معدلوه

أما تدري أبانا كل فرع

           يجاري بالخطى من أدبوه

وينشأ ناشئ الفتيان منا

          على ما كان عوده أبوه

 هل يمكن أن يتعلم الآباء من أبنائهم؟ الإجابة على هذا السؤال نجدها في القرآن الكريم حيث يخبرنا الله سبحانه وتعالى أن إبراهيم عليه السلام طلب من أبيه أن يتبعه لأن لديه من العِلم ما لم يعلمه أباه، وأنه يخاف على أبيه من عذاب النار حيث يقول الله سبحانه عز وجل "وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا. إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا. يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا. يَا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا. يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَن فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا" (مريم: 41 - 45).

 ونجد أن سيدنا إبراهيم عليه السلام قال إنه قد جاءه من العِلم ولم يقل من النبوة أو الوحي، ولذلك فإن العلم هو أساس الاتباع والقيادة وهذا يصلح لكل مكان وكل زمان، فيجب على الآباء ألا يكابروا عندما يجدوا أن أبناءهم عندهم علم أكثر منهم في نقطة معينة فيجب عليهم اتباع الحق واتباع العلم.

الإنترنت يجعل التعلم سهل وبسيط ومتاح ويجعل الأبناء يعرفون معلومات قد لا يعرفها الآباء، لذلك يجب ألا يستغرب الآباء ذلك ويجب اتباع العلم، وتوجيه الآباء لأبنائه للاستخدام السليم للإنترنت ومصادر المعرفة الموثوق فيها والمناسبة لعمر الأبناء على حسب مراحل الأبناء السنية، فلا ريب ولا عيب أن يتعلم الآباء من أبنائهم معلومات ويجب ألا يكابروا حتى إن كان الأبناء أطفالًا صغارًا.

وعندما يكبر الأبناء ويصيرون شبابًا فلا عيب أن يتبعهم آبائهم ويطيعونهم حسب ما عندهم من علم؛ مثلًا إذا كان الابن طبيبًا وصار أبواه شيخين كبيرين ويقوم برعايتهماويصف لهم الدواء فعلى الآباء طاعة أبنائهم، وكذلك إذا كان الابن عالمًا في الدين فلا عيب أن يطيع الأبوين الأبناء فيما يقول من صحيح الدين وأن يكون الابن إمامًا لوالديه، وغير ذلك من الحالات، ويجب على الأبناء في هذه الحالات أن يراعوا الأدب مع الآباء، وأن يصبر الأبناء على الآباء وأن يقول لهم قولًا كريمًا حيث يقول الله عز وجل " وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا" (الإسراء: 23).

ندعو الله سبحانه وتعالى أن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما تعلمنا، وأن يبارك لنا في آبائنا وذريتنا وفي علمهم وأن يجعل العلم لنا ولآبائنا ولأبنائنا طريقًا إلى الجنة.

إرسال تعليق

أحدث أقدم