حلم الخلود
د. زياد موسى عبد
المعطي أحمد
الخلود هو استمرار الحياة بلا موت وأن تكون
الحياة أبدية بلا نهاية، حلم الخلود حلم يراود كل البشر منذ أبونا آدم إلى أن
يرث الله الأرض ومن عليها، حلم الخلود قد يكون حلم قد يدفعنا إلى العمل الصالح،
وقد يكون حلم الخلود دافع للمعصية والتكبر على خلق الله، حلم الخلود قد يؤدي بنا
إلى الجنة يوم القيامة، أو قد يؤدي إلى عكس ذلك، حلم الخلود صحح مفهومه الإسلام،
فلا خلود في الدنيا، وكل نفس سوف تموت.
حلم الخلود بلا موت تحلم به النفس البشرية منذ بدء الخلق، فهذا الحلم هو الذي أخرج أبونا آدم وأمنا حواء من الجنة نتيجة
إغواء الملعون الرجيم إبليس، "فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ
يَا آَدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى،
فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآَتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ
عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آَدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى، ثُمَّ
اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى، قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا
بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ
اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى" (طه: 120 – 123)، وقال
الله تعالى " فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا
وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآَتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ
هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ
الْخَالِدِينَ، وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ، فَدَلَّاهُمَا
بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآَتُهُمَا وَطَفِقَا
يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ
أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ
لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ، قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ
تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ، قَالَ
اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ
وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ". (الأعراف 20 – 24).
ولذلك حلم الخلود هو أحد أهم أسلحة الشيطان في غواية البشر ودفعهم إلى
معصية الله، فكما أن حلم الخلود كان سلاح إبليس اللعين في إخراج أبوينا (آدم
وحواء) من الجنة في بداية حياتهما، فهو أحد أهم أسلحته لعدم دخول الكثير من البشر
للجنة يوم القيامة.
ونحن نعلم جميعاً أنه لا خلود في الدنيا ولابد من الموت لا محالة،
فالله سبحانه وتعالى أخبرنا أن كل مخلوق سوف يموت " كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ
الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ" (العنكبوت: 57)، "كُلُّ
مَنْ عَلَيْهَا فانٍ، وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإكْرَامِ"
(الرحمن: 26 -27)، وأخبر الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم وأخبر البشرية كلها
أنه لم ولن يخلد أحد في الدنيا "وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ
الْخُلْدَ أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ" (الأنبياء: 34).
ونحن المسلمون نؤمن بأن الخلود يكون يوم
القيامة، الخلود في الجنة للصالحين،
والخلود في النار للكافرين، وذكر الله سبحانه تعالى في قرآنه في أكثر من موضع آيات
تدل على ذلك، منها قوله سبحانه وتعالى "بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً
وأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا
خَالِدُونَ، وَالَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ
الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ" (البقرة: 81-82). وفي ذلك يقول عبد الله
بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "إذا صار أهل الجنة إلى الجنة وأهل
النار إلى النار، جيء بالموت حتى يجعل بين الجنة والنار ثم يذبح، ثم
ينادي منادٍ: يا أهل الجنة خلود بلا موت، ويا أهل النار خلود بلا موت،
فيزداد أهل الجنة فرحاً إلى فرحهم، ويزداد أهل النار
حزنا على حزنهم" (متفق عليه).
والموت وعدم الخلود في الدنيا هو دافع للعمل
الصالح لكي ننال الجائزة يوم القيامة بالخلود في الجنة بإذن الله، فالله عز وجل
يقول "الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ
أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ" (الملك:2). فيجب علينا
الاستعداد للموت والاستعداد ليوم الرحيل، وفي ذلك نجد الحديث الشريف الذي رواه أنس
بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “من أحب لقاء الله أحب الله
لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه، قلنا: يا رسول الله! كلنا يكره الموت،
قال: ليس ذلك كراهية الموت، ولكن المؤمن إذا حضر جاءه البشير من الله،
فليس شيء أحب إليه من أن يكون قد لقي الله فأحب الله لقاءه، وإن الفاجر أو الكافر
إذا حضر جاءه ما هو صائر إليه من الشر، أو ما يلقى من الشر، فكره لقاء الله، فكره
الله لقاءه." (حديث صحيح – الألباني- صحيح الترغيب)، بل إن حب الدنيا وحب
الخلود فيها وكراهية الموت من أهم أسباب الوهن والضعف في الأمة الاسلامية، فكما
يروي ثوبان مولى رسول الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
"يوشك الأمم أن تداعى عليكم ، كما تداعى الأكلة
إلى قصعتها، فقال قائل : و من قلة نحن يومئذ ؟ قال : بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم
غثاء كغثاء السيل، و لينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، و ليقذفن الله في
قلوبكم الوهن، فقال قائل : يا رسول الله و ما الوهن؟ قال حب الدنيا و كراهية
الموت" (حديث صحيح – الألباني – السلسلة الصحيحة).
فيجب أن نستعد للموت وأن نتزود بالعمل
الصالح الذي ينتج عن تقوى الله (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ
التَّقْوَى). (البقرة: من الآية 197)، وكما يروى عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه
في تعريف التقوى بأنها: "الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والقناعة
بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل"، وقال رجل لأبي هريرة رضي الله تعالى عنه:
ما التقوى؟ قال: أخذت طريقا ذا شوك؟ قال: نعم. قال: كيف صنعت؟ قال: إذا رأيت الشوك
عدلت عنه أو جاوزته أو قصرت عنه. قال: ذاك التقوى (رواه ابن أبي الدنيا في كتاب
التقوى)
وعن التقوى أنشد ابن المعتز فقال:
خل الذنوب صغيرها ........ وكبيرها ذاك
التقى
واصنع كماش فوق أر ..... ض الشوك يحذر ما
يرى
لا تحقرن صغيرة ........... إن الجبال من
الحصا
إذا لم يكن هناك خلود في الدنيا والموت حتمي
لكل مخلوق، فالأعمال تخلد ذكرى صاحبها بعد موته، وأعمال الانسان أطول منه عمراً، وخلود الأعمال والذكرى إما أعمالاً
صالحة وذكرى طيبة، أو غير ذلك. فكما يقول الشاعر:
دقات قلب المرء قائلة
له................إن الحياة دقائق وثوان
فاعمل لنفسك قبل موتك ذكرها.......فالذكر
للإنسان عمر ثان
الكلمات الدالة: حلم، الخلود، الجنة، النار، الحياة، الموت، القرآن، القصص، رئيس،
علماء، أنبياء، خلفاء، علم، مال، ولد، إنسان
Tags:
الدين والحياة